في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي وقف السيد (عثمان الشبكة) أحد أعيان المسيرية مخاطباً مؤتمر الصلح بين المسيرية والدينكا بمدينة الأبيض.. وقال موجهاً حديثه للرئيس نميري (نحنا المسيرية ما عندنا مشكلة مع الدينكا.. لكن حديث وزيرك فرانسيس العامل رأسه ذي فص اللالوبة ده هو البجيب الحرب).. كان السيد الشبكة- متعه الله بالصحة والعافية- يعقب على حديث فرانسيس دينق مجوك الذي لم يخلُ من التهديدات والادعاء بأن أبيي جنوبية.. ولم تمضِ إلا أشهر معدودة من المؤتمر حيث تجددت الاشتباكات بين القبيلتين. أمس الأول أعاد لوكا بيونق (السيناريو) بعد إعلانه انسحاب قوات دولة الجنوب من أبيي.. وهدد باجتياح المنطقة عسكرياً إذا لم يسحب السودان قواته في فترة أقصاها صباح غدٍ الأربعاء.. تهديدات بيونق ليست (مزايدة) كما وصفتها وزارة الخارجية أمس الأول.. وإنما جدية.. لأن دولة الجنوب التي تسيطر عليها الحركة لا تستطيع العيش بعيداً عن الحروبات.. كما أن الحروبات في أبيي جميعها وقعت بإيعاز من أبناء دينكا نقوق في الحركة الشعبية. في مايو 2008 خاطب إدوارد لينو لقاءً جماهيرياً في أبيي ادعى فيه أحقية الدينكا بالمنطقة دون سواهم.. فلم تمضِ سوى أيام لتقع مشاجرة بين نقيب (مخمور) في الحركة الشعبية من أبناء الدينكا.. وجندي من مجموعة تتبع للنوير.. وكانت الحركة تهدف من وراء الحادث السيطرة على المنطقة بمساعدة الأممالمتحدة.. وعندما اشتدت المواجهات بين المجموعتين قامت المنظمة الدولية بإجلاء إدوارد لينو وقيادات الحركة من أبيي تاركين وراءهم المدينة تحترق بالكامل.. فيما احتمى السكان في حامية القوات المسلحة.. وفي مايو 2011 أطلق أيضاً جندي (مخمور) النار على قوة من القوات المسلحة كانت تنفذ أمر انسحاب من أبيي.. فأدى الحادث إلى مواجهات عنيفة انتهت بعودة القوات المسلحة إلى المنطقة لحماية سكانها. إذن سحب دولة الجنوب لقواتها من أبيي لم يكن إنفاذاً لاتفاق أديس أبابا.. وهو اتفاق ظلت تماطل دولة النوب في تنفيذه منذ العام الماضي.. وإنما تهدف لإحراج السودان وإيجاد مبررات-تكون مقبولة لدى المجتمع الدولي- للهجوم على أبيي.. لأن الهجوم على المنطقة في ظل وجود قواتها داخل أبيي هو بمثابة تكرار لخطأ (2011).