يمكن بكل بساطة أن تختلف مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم، ولكن لا يمكن أن يكون ذلك الخلاف على حساب القضايا الوطنية.. فالسودان الذي بات مهدداً بتقسيم جديد بعد انفصال الجنوب، نتيجة لتلك الحروب الطرفية في جنوب كردفان والنيل الأزرق، يتطلب منا جميعاً أن نسمو به فوق كل الجراحات القديمة، ونبحث بمسؤولية عن القواسم التي تجمعنا وتحفظ بلادنا من التشرذم والانقسام، الذي تدعمه جهات خارجية على رأسها دولة إسرائيل، التي ترى نماءها في زوال الآخرين، وترى تمددها في خلق الحروب والفتن بين الشعوب، وتستهدف كل الأمة العربية عبر السودان وغيره، من مجموعة أقطار الشرق الأوسط، مما يجعلنا أكثر حذراً وحرصاً على تماسك جبهتنا الداخلية.. فنعم نحن نختلف مع حزب المؤتمر الوطني وهو أيضاً يختلف معنا- حسب رؤيته لمعالجة الأزمات السياسية التي تواجه البلاد- لكل القضايا التي تتعلق بوحدة السودان وتماسك نسيج شعبه، هي التي تجمعنا ولا تفرقنا، كما أن استدامة السلام في كل ربوع بلادنا أهداف مشتركة لكل القوى السياسية السودانية والمعالجات لكل اشكالاتنا العالقة، لا يمكن أن تحل عبر الاحتراب والعمل العسكري، بل بالتفاوض والجلوس إلى طاولة المفاوضات بإرادة سودانية خالصة وصولاً إلى سلام مستدام، ومعالجات نهائية لكافة المشاكل العالقة، فالذي يعتقد بأن قضايانا العالقة لا يمكن أن تحل إلا عبر البندقية هو إنسان موهوم ومريض، يبحث عن حرب بالوكالة دائماً ما تكون نهايتها دمار وخراب، وتشريد لآلاف من النازحين واللاجئين، مما قد يؤدي في نهاية الأمر إلى تجزئة السودان إلى دويلات جديدة، في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وقد يطال ذلك أيضاً شرق السودان، مما يستوجب النظر لما بعد تلك الصراعات العسكرية بعين المسؤولية الوطنية، فالتاريخ لن يرحم كل من ساعد أو ساهم في تفتيت البلاد إلى دويلات صغيرة، أو تسبب في ترويع المواطنين وتشريدهم عن ديارهم، وبالتالي نحن جميعاً أمام تحديات في غاية الدقة والأهمية، مما يستوجب علينا تغليب الدوافع الوطنية التي تحفظ للسودان وحدته وسيادته، بعيداً عن كل المهددات الخارجية التي لن تنال من وطننا شبراً واحداً، إذا أحسنا في سياسة تقريب وجهات النظر، وتطابق الرؤى في الثوابت الوطنية، التي تضمن للسودان وحدته وتماسك نسيجه الاجتماعي، وإن كان سقوط نظام الحكم الحالي بالضغوط الدولية والحروب ثمنه تقسيم السودان وتفتيت وحدة أرضه وشعبه، فنحن لن نضحي بالبلاد من أجل إسقاط النظام، فالمؤتمر الوطني كالذين سبقوه في حكم السودان سوف يأتي اليوم الذي يتم فيه التغيير بالشكل الذي لا يمس ثوابتنا الوطنية، ولا يقسم البلاد إلى دويلات صغيرة، تظل في احتراب دائم بموجبه نكون قد ساعدنا المتربصين ببلادنا في تحقيق مآربهم وأهدافهم المسمومة، فالطريق نحو الاستقرار واستدامة السلام والحفاظ على وحدة السودان أرضاً وشعباً لن يتحقق إلا عبر الإرادة السودانية الخالصة، بعيداً عن أي وساطات دولية أو إقليمية لا تريد لنا ما نصبو إليه، بل تسعى لتحقيق مصالحها، مما يجعل تفويت الفرصة عليهم أمراً وطنياً لا تخطئه عين.