قبل أيام انتابت الرئيس سلفاكير حالة من الرهبانية.. الجنرال ذو القبعة السوداء ارتدى ثياب الأصولية المسيحية حينما أبرز نفسه في دور حارس البوابة الأفريقية في وجه الثورة الإسلامية المصدرة من الخرطوم.. الجنرال سلفاكير مقتنع تماماً أن العلامة التجارية للتجربة السودانية لا يمكن تصديرها.. الإسلاميون في كل مكان يسألون الإنقاذ عن طريقها حتى يتجنبوه تماماً.. رغم هذه القناعات الراسخة إلا أن الرئيس سلفاكير أراد أن يجني ثمرة وأخرى عبر التخويف من الثورة السودانية الإسلامية. من يقدم العون لسيادة الرئيس سلفاكير لم يكن إلا نائب رئيس الحزب الحاكم.. الدكتور نافع علي نافع بعد أن حضر زواجاً جماعياً في منطقة كبوشية.. وتحت تأثير العرضة التراثية أكد أن الغرب يترنح سياسياً واقتصادياً وأخلاقياً.. لم يكتفِ نافع بشهادته في سقوط الغرب.. بل أوضح أن السودان بصدد تحرير العالم الثالث ليعمل بالاقتصاد الإسلامي. تصريحات سلفاكير واجتهادات نافع تؤكد أن العلاقة بين الشمال والجنوب تعيش في مرحلة التصورات.. كل دولة بدلاً أن تجتهد في رؤية واقعها تحمل «المرايا» لتبين لشعبها صورة العدو.. الخرطوم تبتهج بدراسات صادرة من البنك الدولي تؤكد أن اقتصاد الجنوب سينهار بحلول يوليو المقبل.. فيما جوبا تحاول أن تضع لحية بن لادن الكثة حول وجه الإنقاذ.. الأستاذ علي كرتي وزير الخارجية يقوم بجهد مكثف يستحق عليه الإشادة في تأطير البعد الواقعي لعلاقة الشمال والجنوب.. أمام البرلمان أكد أن التصريحات السياسية المعطونة بالحماسة تضر بصورة السودان في المحافل الدولية.. الوزير كرتي أكد أن السودان راغب في العودة للمفاوضات عبر الملف الأمني بين جوباوالخرطوم. مجهودات كرتي بدأت تثمر.. بالأمس حمل ثامبو أمبيكي تعهدات من الخرطوم بشأن منطقة منزوعة السلاح في الحدود الفاصلة بين السودان وجنوبه بعرض عشر كيلومترات.. تعهدات الخرطوم تشمل الامتناع عن دعم الحركات المعارضة لكل من جوباوالخرطوم.. وفي ذات الوقت نشر بعثة مراقبة مشتركة بين البلدين لرصد التفلتات. في تقديري مطلوب جرأة زائدة من الخرطوم في تعاملها الواقعي مع دولة جنوب السودان.. تقديم الملف الاقتصادي قد يكون كلمة السر التي تعود بالعافية على العلاقات بين جوباوالخرطوم.. السماح بإعادة تدفق النفط يجعل الحكومة الجنوبية تقوم بتدبير الأمن لصناعة النفط السودانية بعد أن ذاقت المسغبة.. في ذات الوقت نشر بعثة مراقبة أممية في الحدود يجعل العالم شاهداً علي أي نقض للعهود والمواثيق. المنطق يقول ليس في مقدور جوبا أن تسقط نظام الإنقاذ عبر دعم الحركات العنصرية.. الواقع يؤكد ليس للخرطوم مشروعاً قابلاً للتصدير..الحقائق تعلمنا أن الدول لا تستطيع تغيير مجالها الجغرافي. العودة إلى الواقعية تمثل خارطة طريق لعلاقة بين حكومتين كل واحدة تلعن أختها ولكن المصالح تجمعهما.