جهد قانوني علمي مميز دفع به السفير عمر دهب مدير إدارة الأزمات بوزارة الخارجية في ثلاث مقالات رصينة باللغتين العربية والانجليزية ولأهمية تلك المقالات ومفرادتها وارتكازاتها العلمية البحتة رأيت استعراضها لما تحتويه من أهمية تتصل بفقه القانون إضافة إلى خطورة المحكمة نفسها لأنها تنطوي على تفككات في بنيتها القانونية . ينطلق السفير دهب من أن المحاكم التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية في « نورمبيرج » وطوكيو لمحاكمة مجرمي الحرب حملت بذرة شؤم زرعتها في رحم العدالة الجنائية الدولية فتلاقحت وأنجبت في نهاية المطاف الجنائية الدولية بشكلها الحالي التي حملت ملامح سابقتها ومن تلك الملامح البغيضة (الانتقائية) التي تتناقض جوهريا مع مُسمى العدالة ويعلل دهب ذلك بأن مجرمي الحرب من ألمانيا واليابان لم يحاكموا بسبب الجرائم إنما كانت الهزيمة عاملا حاسما في تقديمهم للمحاكمات دون سواهم من الحلفاء المنتصرين الذين ارتكبوا أيضا جرائم لا تقل فظاعة لكنهم لم يحاكموا بسبب تكريس عدالة المنتصرين وليس عدالة العدالة.. ثم يمضي مختطفا من مقال كتبه القانوني جيرمي روبكن معضدا تصوره إذ يقول جيرمي (ارتكب الأروبيون خلال الحرب العالمية الثانية من الجرائم والفظائع المنظمة أكثر ما يمكن أن ترتكبه أية أمة أخرى تخضع اليوم لسلطات المحكمة الجنائية الدولية ولا نجد إجابة عن سؤالنا لماذا يطلب الأوروبيون من الأمم الأخرى ما لم يطالبوا به أنفسهم في أعقاب الحرب العالمية الثانية ؟).. بعد توجيهه جملة من الانتقادات القانونية العلمية الراكزة والرصينة يتحول السفير دهب إلى الصلاحيات المطلقة التي منحها النظام الأساسي للمحكمة للمدعي العام الذي قال في مقابلة صحفية أجرتها معه الصحفية المعروفة شيلا فيليس (لقد أسند إلى العالم أهم رسالة على الإطلاق) وهذا الرجل الذي أسندت إليه هذه المهمة يقول عنه كريستيان وينا مندوب سويسرا ورئيس جمعية الدول الأطراف في المحكمة (أنه لا يعرف كيف يحرر صحيفة اتهام -أي أوكامبو- وأنه لا يتمتع بأي كفاءة) ! يفسر السفير دهب سر تركيز السلطات بيد المدعي العام لاتجاهات الدول القوية بجعله مطية في يدها بتمليكه سلطات تقديرية سياسية وقانونية في ظل إخضاعه لضغوط هائلة لتنفيذ سياساتها وهذا ما يكرس عدم إطمئنان دولة طرف لإعمال وإنفاذ وصون استقلالها القضائي والسيادي والسياسي إلا أن يكون مبدأ الاطمئنان هو نفوذها العسكري والسياسي والاقتصادي. مقالات جديرة بالمطالعة لخصوبتها العلمية وقوة مرتكزيها القانوني والسياسي.