واليوم حديثنا أو قل كلماتنا.. إلى البروف المهذب جداً.. الوقور جداً.. المحترم أبداً إبراهيم أحمد عمر.. وثمة كلمات يجب أن تقال.. وهي نحن.. بل أنا تحديداً.. لا أرد عادة على إنقاذي.. يرفع عقيرته بالصياح.. أو يمطر المخالفين بسيل من السباب.. أو حتى يكتب بهدوء دفاعاً عن الإنقاذ.. وانحيازاً للمؤتمر الوطني.. فقط لأنه لا يرى في رجالات الإنقاذ غير أنهم لا يأتيهم الباطل من خلفهم أو بين يديهم.. وليس في الأمر عجب.. فهناك من الإنقاذيين من يرى أن القائمين على أمر الوطن وقيادة الوطن هم مجموعة من الملائكة هبطوا من السماء.. مثل هؤلاء وهؤلاء.. أنا لست مستعداً أن أنفق جدلاً معهم نقطة حبر واحدة.. ولكن.. أن يتحدث البروف إبراهيم هنا يجب أن نقف كلنا انتباه.. ويجب علينا أن نرهف السمع.. لأن كلماته أبداً عندنا.. هي بوزن الذهب.. فإلى مكتب أو قاعة محاضرات البروف إبراهيم.. وقبل «كل حساب» دعني أوضح للأحبة القراء.. لماذا أنا شديد الاحترام والتوقير والميل إلى تصديق البروف إبراهيم.. ذلك لأني أعرفه معرفة تامة رغم أنه لا يعرف حتى اسمي.. أعرفه قبل أربعين سنة وتزيد.. أعرفه قبل أن تتشكل الإنقاذ في رحم الغيب.. أعرفه بحكم الجيرة الجغرافية تلك في أم درمان.. أعرفه بحكم الجيرة العملية تلك التي كانت في «السوق».. فقد كان متجر والده يجاور متجر والدي.. ومنذ ذاك الحين.. عرفت البروف الذي كان شديد التدين.. شديد التهذيب.. كان من الذين انضموا إلى الإخوان المسلمين منذ شبابه الباكر.. وليس مثل الذين تدافعوا بالصفوف والمناكب بعد أن آلت الأمور إلى الحركة الإسلامية.. إذن هو من أصحاب الجلد والرأس في الإنقاذ وليس مثل الذين خدعوا الإخوان بالدين فانخدعوا لهم.. وليس مثل المؤلفة قلوبهم.. أولئك الذين لا ينظرون إلا «لجيوبهم».. كما أنه ليس مثل الذين بصقوا على تاريخهم وحرقوا «قمصان» ظلوا يفاخرون بها ويعرضون ويزهون بها لعقود وعقود.. وعندما لاحت طلائع قافلة الإخوان محملة بالهدايا والعطايا.. حرقوا أعلامهم.. ثم ارتدوا «عدة الشغل» وهي زهيدة الثمن.. سهلة «التفصيل» وإن كانت تعود على مرتديها بخير كثير.. وما أسهل أن «تفصِّل» جلابية بيضاء مثل شخب الحليب وعمامة من التوتال تجعل لها «عزبة» تتدلى من منتصف «اللفة».. ثم شال ينتهي بزركشة ملونة عند ترزي ماهر التطريز.. و«عصاية» ومركوب يفضل فيه اللون الأبيض.. وبعدها لن يطول انتظارك في الرصيف.. و«شوية.. شوية» تهبط عليك الألقاب مثل «أخونا» وبعدها مولانا.. وأخيراً «شيخنا».. وكلها مقدمات «توزير» أو «تعميد» أو «قروش» تتدفق عليك وكأنك قد وجدت فجأة مصباح علاء الدين.. والبروف إبراهيم.. وأنا أعرفه جيداً.. ليس مثل أي من هؤلاء.. فقد ولد ونشأ في أسرة ثرية عريقة.. ولن نندهش نحن أبناء أم درمان إن أقام فوق داره أربعين طابقاً وتزيد.. لأنه يكون مجنوناً لو حام في ذهن أي أحد السؤال.. من أين لك هذا؟.. لأن كل الدنيا تعرف.. من أين له هذا.. والآن نأتي إلى الموضوع.. فقد كانت كل تلك فقط مقدمة.. الموضوع هو دهشتنا من حديث البروف.. وبعد أن انفجرت أو حلقت سحابة الاتهام بالفساد المالي لبعض رموز الإنقاذ.. فقد قال البروف إن دمغ الإسلاميين بالفساد هو محاولة لدمغ الحركة الإسلامية.. غداً نلتقي