أمس الأول كنت في عطبرةالمدينة التي كانت تصهر الحديد والنار والحكومات وتأبى الظلم والاستبداد!! عطبرة تعطيني دائماً إحساساً من نوع خاص لا توفره لي بقية مدن السودان الأخرى،إحساساً تحسه ولا تراه، إنه شعور العزة والكرامة .. ربما هو الذي عناه الطيب صالح وهو يعانق جده بعد غيبة ويقول عن هذه اللحظة: أحسست بأننا أغنياء رغم أننا في نظر العالم الأول فقراء!! عطبرة مدينة في الخاطرة تتراءى لي ذكريات جميلة في المدينة وكلها صدى لزيارات خاطفة ومع ذلك يبقى ترددها!! أول حوار صحفي أجريته في مسيرتي الصحفية كان مع المرحوم حسن خليفة العطبراوي وكنت وقتها طالباً بالجامعة ولصالح صحيفة تابلويد لا أذكر الآن اسمها!! غضبت «نازك يوسف» بنت عطبرة عندما سألتني «أميرة» : كيف عطبرة؟ قلت لها: بائسة!! قالت لي: عطبرة ليست كذلك.. قلت لها : أنا أقصد البؤس الآخر!! ذهبت لواجب عزاء وكانت الفرصة سانحة لنلتقي بالناس و«نسولف» في الحالة العامة.. لم أجد جملة واحدة تنفي ما قلته حول حالة المدينة!! يندر أن تجد مجلساً في عطبرة لا يخلو من «صالح عام».. الذي جلست معه كان في الشرطة.. ضحك وقال لي أنا ذهبت للصالح العام في أول كشف للإنقاذ!! والآن ماذا تعمل؟ ضحك وقال: أحد زملائي الذين لحقهم الكشف سأله أحدهم ماذا تنوي أن تفعل يا جنابو بعد خروجك من الخدمة؟ قال له: افتح نقطة بوليس خاصة!! اجترار الماضي كثيراً لا يفيد وليس من الحكمة في شيء البكاء على أطلال والبدائل معدومة ومع ذلك لا يمل المجلس عن تكرار الإتهام القديم أن نظام نميري هو سبب بؤس المدينة.. أضعف السكة حديد وشرّد العمال وقمع مظاهراتهم بضباط وجنود الأنانيا (2) القادمين من الغابة بوحشية!! أضعفت مايو عطبرة وعمالها وأكملت الإنقاذ الباقي!! الآن طبقة العمال تلاشت ومطاعم عطبرة تسهر لمنتصف الليل تبيع البيتزا و في ذات الوقت شراء « الطعمية» و«البوش»!! حدثوني عن الحياة ومفارقات الواقع وتردي الخدمات وحال المستشفى الذي يشكو لطوب الأرض!! ضحكوا عندما سألتهم عن إصلاحات قيل إنها تجرى في السكة حديد!! وسألوا كيف يكون الإصلاح وأنت تبيع البنيات الأساسية في الخرطوموعطبرة؟! الورش سكتت وصمتت صفارة عطبرة الشهيرة وربات البيوت داخل خدورهن يضبطن على إيقاعها توقيت الوجبات!! تلاشت الدراجات ومعها مكانة عطبرة كثاني مدينة في العالم بعد جوهانسبيرج من حيث العدد!! قلت لهم: قامت عمارات حديثة!! قالوا: لماذا لا ترصد عدد البيوت المهدمة والمهجورة؟! ü الحديث ليس ذو شجون ومع ذلك أنقل حديث مجلس عطبراوي حملني أعضاؤه أمانة نشره وهأنذا أفعل وأنا أعرف إن ليس هناك من مجيب لهذه الأسئلة والمقاربات في هذا الحاضر!!