ظللنا في «آخر لحظة» نولي جولة مفاوضات «أديس أبابا» الحالية، التي تجري بين وفدي حكومتي السودان ودولة جنوب السودان، ظللنا نوليها اهتماماً عظيماً، بحسبان أن نتائجها ستكون الأكثر تأثيراً على تاريخ وجغرافية البلدين الجارين، بعد التوقيع على اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا، وبعد حدوث الانفصال إنفاذاً لاستفاء أبناء جنوب السودان، كاستحقاق دستوري واجب التنفيذ. اهتمامنا ذاك تمثل في المتابعة اليومية للمفارضات، ثم السعي المستمر لجمع المعلومات الخاصة بهذه الجولة القائمة الآن، والتي انبنت على قبول الطرفين بقرار مجلس الأمن رقم «2046» ثم العمل على تحليل مواقف كل طرف، واستنتاج خطواته المقبلة، ونهايات الشوط الأول في هذه الجولة. واهتمامنا بأمر التفاوض لن يتراجع، على اعتبار أن كل القضايا العالقة هي أمرُ ُ وأمنُ ُ قومي لا يجب القبول حال مناقشتها بموقف المتفرّج.. لذلك رأينا منذ البداية أن الوفد الحكومي السوداني المفاوض، لا يمثل الحكومة وحدها، ولا يمثل حزب المؤتمر الوطني، بل يمثل «الموقف الوطني» العام، وليس أدل على ذلك من الخروج التلقائي إلى الشوارع في كل مدن السودان يوم أن حررت القوات المسلحة السودانية مدينة «هجليج» وما حولها. خرج السودانيون جميعاً يعلنون عن فرحتهم وغبطتهم وسعادتهم بتحرير هجليج في مواقف مشهودة ومحفوظة ربّما لم تصدّقها الحكومة نفسها.. وربما جاءت صادمة لقادة بعض القوى السياسية التي ترفع ألوية المعارضة. بالأمس خرجنا - على غير العادة والمألوف - بعنوان رئيسي استفهامي - وهذا لا يحدث كثيراً في الصحف - كان عنواناً لمقال وليس لخبر، وهذا نفسه أمر نادر الحدوث في الصحافة إن لم يكن معدوماً تماماً وفق ما يمكن أن نطلق عليه أساسيات العمل الصحفي.. نقول «أساسيات» ولا نقول «قواعد» لأن الصحافة علم نظري لا قواعد ثابتة له، وهذا ما شجعنا على طرح السؤال المثير عنواناً رئيسياً للصحيفة، وقد انعكس ذلك في مستوى ونسبة التوزيع لعدد الأمس التي تجاوزت حسب القراءات الأولية الخمس وتسعين في المائة - لأهمية الموضوع . العنوان الرئيسي كان: (هل تطالب «الحركة» بعودة «عقار» والياً للنيل الأزرق؟).. وهو سؤال لم ينبع من فراع، إذ أن «الحضور الثقيل» لرئيس وأمين عام الحركة الشعبية قطاع الشمال، استوجب ذلك الطرح، خاصة بعد قبول الحكومة بالقرار «2046» الذي تضمن إلزام الحكومة باتفاق الدكتور نافع علي نافع، الإطاري الذي رفضته قياة المؤتمر الوطني، قبل أن - يجف الحبر الذي كتب به. إضافة إلى الأسئلة الحائرة التي أخذ العامة والخاصة يطرحونها حول تلك المشاركة رغم الرأي الشعبي السالب في أداء الرجلين السياسي للدرجة التي جعلت مشاركتهما في التفاوض مثل «الشوكة» و «السكين» في يد الحركة.. وهما كذلك بالنسبة لكثيرين.