قال لي قاريء صديق لهذه الزاوية.. ياخي خلينا من النقد السياسي.. وورينا المعركة بين تيمور وسيد قطب مشت كيف؟.. أكتب اليوم بناء على توجيهاته مع أنني لن أخليه من النقد السياسي.. أحب أن أضيف إلى جزئية إن النقد السياسي مثل النقد الأدبي (في السودان طبعاً).. أضيف أن النقد السياسي مرات انحدر إلى لغة هي مأخوذة من سلبيات النقد الرياضي.. ومن إثارة النقد الفني.. وذلك على اعتبار أن النقد الأدبي ظل محروساً بقامات سامقة كانت قدوة واستعصت مجاراتها.. بينما انفتحت أبواب التحرير في الصحف الرياضية والصفحات الفنية على مصراعيها لمجاراة السوق وبعمالة غير مكلفة كثيراً.. ومردود إيجابي كبير من الوجهة التسويقية.. فسوق البوار نشطة.. وقصاد التفاهة والركاكة (بالكوم).. وبالعودة إلى موضوع (قطب وتيمور) وللنظر إلى وجهتي (المجاملة والتحامل). أحكي لكم أن سيد قطب كان منحازاً إلى (العقاد) لدرجة (المجاملة) خاصة في شاعريته التي هي محل أخذ ورد.. بينما كان (تيمور) واقفاً ضد العقاد.. أشاد (سيد قطب) بأبيات للعقاد تحدث عن الصور الشعرية فيها في قصيدة بعنوان (الكون جميل) نشرها في مجلة الرسالة العدد (520) ويقول فيها: صفحة الجو على الزرقاء كالخد الصقيل لمعة الشمس كعين لمعت نحو خليل رجفة الزهر كجسم هزه الشوق الدخيل حين يممت مروج وعلى البعد نخيل قل ولا تحفل بشيء إنما الكون الجميل طبعاً بمقاييس العصر لو قال متسابق في(سحر القوافي) هذه الأبيات لاستبعده دكتور صديق من المنافسة بتأييد متحمس من (أزهري ومحيي الدين) .. قال سيد قطب إن في الأبيات إلفة وإنه يكاد يلمح الشاعر(متسع الحدق مفغور الفم) وهو يتمشق.. بل يلتهم ما في الطبيعة. فعلق تيمور على نقد قطب.. أنا لا أدري أي ذوق أدبي ذلك (متسع الحدق مفغور الفم).. وهل يستطيع القاريء أن يتصور هذه الصورة القبيحة دون أن يتملكه الاشمئزاز والضحك؟.. تصور شاعراً مفتوح العينين فاغر الفم!.. هذه صورة أبله لا صورة شاعر.. ثم أين الجمال في هذه الأبيات؟ هذه القسوة المتحاملة على سيد قطب يبدو أن لها ما يبررها من نقد لاذع وجهه قطب لتيمور.. يلوح ذلك في ما أورده تيمور في عبارته (يأبى الأستاذ قطب إلا أن يضيف إلى المغالطة المهاترة بحيث لا أرى بداً أن تكون هذه الكلمة آخر حديث في هذا الموضوع).. ومن تحامل تيمور إشارته الخبيثة إلى أن الكاتب حين يحس بدنو أجله يكتب في الدين.. ويتوخى سيرة سيدنا محمد وصحابته.. عله يجد شفاعة.. واضح الإشارة إلى عبقريات العقاد. عموماً لم ينقص النقد رغم قسوته من قدر أي من الثلاثة.. فظل العقاد شامخاً.. وظل تيمور رائداً.. وظل قطب ناقداً حصيفاً إلى أن أخذته من الأدب السياسة.. وإذا عدنا إلى النقد السياسي.. وهو غائب رغم غلبة السياسة وغلبة الصحف السياسية على ما سواها.. وعلو سعر الكاتب السياسي مادياً وأدبياً.. فهو ضيف مرهوب الجانب على الموائد.. فهل هناك نقد سياسي.. أنتم تسمونه (رأياً) كأنما في غير السياسة لا يوجد (رأي)!!