في ميدان التحرير وسط الجموع الجائعة المسلوبة والمنهوبة المدفونة وهي تسير، استدارت كاميرا الجزيرة نحو امرأة ستينية تتوشح سواداً لافحاً وتحمل صورة ابنها الذي استشهد في الميدان وحكموا على قاتله بالبراءة، سألتها المذيعة: (إنتي ليه هنا النهار دا ياحاقة؟)، أجابتها المرأة الموجوعة الطالعة من السواد رمزية الحداد (أنا هنا علشان احتفل بفوز مرسي لأنو حايقيب حق سيد ولدي...)، قاطعتها المذيعة (وبتقولي إيه لسيد)، هنا رفعت المكلومة الصورة فلاح سيد بملامح الفتى الوسيم الموجوع بالوطن الباذل روحه فداء حريته، شاب يبدو من هيئة محياه الغر أنه في منتصف العشرينات، وواضح أنه عاطل وفقير ونبيل وتقي، قبلته الحاجة وانتثرت من عينيها دمعتان وأجابت المذيعة (أنا بقول لي سيد إرتاح يا ابني على باب الجنة ومرسي حايقيب حقك). في الضفة الأخرى كان (حناكيش) شفيق يعقدون مؤتمراً صحفياً يعلنون فيه فوزه، جينز وتي شيرتات وجرسه من الحر ورائحة عطور فواحة كنت أشمها من مقر المؤتمر عبر الشاشة، وجوه نديانة رطبة ثرة وصقيلة، أصابت كل مغانم الانفتاح وحولته ببراعة لدم نقي معافى يسبح في أجساد مركزها النعومة، تذكرت قصيدة أحمد فؤاد نجم (يا واد يا يويو يا مشخصاتي.. يا جبنة حادقة في فول حراتي). الصبايا القبطيات بالأردية القصيرة والفنايل الأمريكية التي تظهر محاسن (التيار الصدري) وتحاككك ما ينفر في الصدر الأعظم.. الشعر المصبوغ (بالميج الفضي) والشموا والزرار الباريسي ضجة من رنين الرأسمالية لا ينقصها إلا الفيس برسلي. وفي ميدان التحرير تقبل الحاجة الساكنة في السواد صورة سيد وتنتظر مرسي كي يعيد له حقه!! حين كنت أرهف السمع للمتحدث باسم حملة شفيق الذي كان يشكو الحر، واسترجع صورة تلك المرأة وسيد والعباءة السوداء وفوز مرسي، كنت أرى غداً جديداً يتخلق في مصر التي أحبها بكل ما اجترح الفؤاد من الأغاني، وكنت أنادي مرسي بالسعة وحسن التواصل مع الآخر غير الإخواني الذي سنده رغم الخلاف ليصبح رمزاً للثورة المصرية، فالآخر هو الضفة التي يجب أن يتحرك نحوها.