بحثت في مدلولات واستعمالات كلمة الآخر في اللغة العربية، فوجدت أن معانيها تحمل دلالات سالبة في اللغة، حيث تعني كلمة (الآخر) كل ما يختلف عن، أو لا يشبه من حيث الجنس أو العادات والتقاليد والقيم والفكر.. والآخر هو أيضاً ما ليس (أنا).. وهذه الكلمة تستعمل دائماً للتعبير عن الشخص المعارض.. ويكثر استعمالها عند السياسيين، ويولد تداول هذه الكلمة دائماً اتجاهات سالبة في ذهن المواطن السوداني العادي، ومن المعروف أن قوات الشرطة وقوات الأمن والمخابرات كان لهم دور كبير في حماية ظهر القوات المسلحة عند الإعتداء على مدينة هجليج ، وكان للمؤسستين دور مقدر فى العمليات العسكرية الأخيرة.. وعندما تذكر قواتنا المسلحة الباسلة في تصديها للمعتدين.. تذكر من بعدها دائماً عبارة (والقوات النظامية الأخرى).. وهذه العبارة غير دستورية ولا هي قانونية.. وكل دساتير السودان لم تتحدث عن (القوات النظامية الأخرى).. بل ذكرت قوات الشرطة وقوات الأمن والمخابرات بالاسم، وتولد هذه العبارة مع مرور الوقت اتجاهات سالبة في ذهنية المواطن السوداني لسلبية كلمة (الآخر) في ثقافتنا السودانية، فالآخر دائماً هو الضد وهو العدو ولا يتصالح الشعب السوداني مع هذه الكلمة أبداً.. والمعروف أن موضوع الأمن بصورة عامة.. موضوع حساس جداً.. وتطوير العلاقة بين الشرطة والجمهور لا يحدث بهذه الإشارات السالبة.. وقديماً ساعد الاستعمار كثيراً في تشكيل رأي عام سلبي تجاه الأجهزة الأمنية خاصة قوات الشرطة، وقد عملت قوات الشرطة السودانية طيلة الحقب السابقة على تحسين هذه الصورة بالعديد من البرامج الاجتماعية والثقافية.. ويقع على عاتق قوات الشرطة تأمين المواطن والمحافظة على أمواله وممتلكاته .. وقد طرحت قوات الشرطة السودانية في فترات سابقة شعار( الأمن مسؤولية الجميع).. لإيمانها التام بضرورة إقامة شراكة حقيقية مع المواطن.. وجاءت فكرة الأمن المجتمعي والشرطة المجتمعية لضمان هذه الشراكة الأمنية.. فهل يمكن أن يكون هذا الشريك هو(الآخر) بمعناه السلبي.. وهل يمكن أن يكون هذا الآخر شريكاً حقيقياً؟.. وكما هو معروف أن الآخر هو الضد.. فهل يمكن أن يلتقي الضدان؟.. وتؤكد الاتجاهات الحديثة الدور الكبير الذي يقوم به المواطن في المجال الأمني.. خاصة مجال الوقاية من الجريمة.. ومهما بلغت أجهزة الشرطة من إمكانات.. فهي لا تستطيع وحدها أن تحافظ على الأمن بغير دعم من جمهورها الخارجي.. حيث يمثل المواطن حلقة مهمة وأساسية في حماية المجتمع من الجريمة.. ومن المعروف أن الشراكات لا تبنى بأفكار سلبية.. وإنما بالعمل الإيجابي الذي يقرب بين قوات الشرطة وجمهورها.. ومضمون هذه الشراكة يتمثل في إحساس المواطن السوداني بأنه جزء أصيل من المنظومة الأمنية بالبلاد.. ولا يمكن ترسيخ هذه الشراكة إلا بعمل إيجابي عميق يبدأ بالتعليم ما قبل المدرسي وينتهي بدور وسائل الإعلام في تعميق هذه الشراكة حتى يتشرب الأطفال بقيم المحافظة على أمن المجتمع وسلامته.. وهناك تجارب دولية ناجحة في هذا المجال أهمها التجربة الفنلندية والتي عززت بصورة واضحة مفهوم الشراكة المجتمعية.. وخصصت الحكومة الفنلندية ضباط شرطة لتدريس مادة الوقاية من الجريمة في كافة المدارس عبر المراحل التعليمية المختلفة.. ويعتبر النجاح في هذه المادة عاملاً أساسياً للعبور من مرحلة دراسية إلى مرحلة أخرى متقدمة.. وقد نجحت هذه التجربة بصورة واضحة في تعزيز الشراكة بين قوات الشرطة والمواطنين.. وتعد فنلندا الآن من الدول القليلة في العالم التي استطاعت تخفيض معدلات الجريمة بصورة واضحة.. وساعدت وسائل الإعلام بصورة فعالة في نجاح هذه التجربة عبر رسائل الإعلام الإيجابية والمساهمة في بناء صورة ذهنية إيجابية عن أداء قوات الشرطة. كل ما نرجوه أن تذكر وسائل الإعلام قوات الشرطة وقوات الأمن والمخابرات بالاسم بعيداً عن كلمة الأخرى هذه.. هل يمكن أن يحدث ذلك.