في فبراير 1930.. شهد منزل بسيط يتكيء على إرث قرآني وعلم وافر.. صرخته الأولى فرددت الآفاق.. في قرية مقاشي ريفي كريمة.. الترحيب بمقدم فارس عرف منذ صغره كيف يسرج خيل عطاياه ويرفد مضماره.. بشتى أنواع النبوغ العلمي الذي بدأه في خلوة «محمد الحسن الفقير بالحماداب» إلى أن شرف سورة مريم ثم انتقل بعدها مع أخيه الأكبر «المسمى باسم أبي حامد الغزالي» إلى مدني التي يعمل فيها قماشاً فدرس الكتاب، ثم انتقل وملامح شخصيته الفذة تتفتح في المدرسة الأهلية، وبعدها كان يترأس أول دفعته في مدرسة حنتوب الثانوية 1947..! وفي جامعة الخرطوم.. وعلى امتداد «المين رود» شهدت كلية القانون.. على وجود طالب يحمل ميزان عدله.. قبل أن يتجه غرباً للأبيض.. ليعمل كمساعد قضائي «أو عامل قضائي».. قبل أن تتم ترقيته لقاضي درجة ثانية.. بفضل رجاحة ودقة احكامه المتناهية في الإنسانية والقانون..! لقد كان قاضيا يعمل بروح القانون.. ويحلل النفس البشرية بما يملك من حصافة وسداد رأي جعل حتى من يحكم عليه بأقصى الأحكام.. لا يعاديه.. ونادته ود مدني من جديد بعد أن اشتاقت ضفافها.. لقوة حجته المعضدة بنفاذ بصيرته فاشتغل فيها بالمحاماة.. يرد الحقوق وينصر الضعفاء..! وبذهاب القضاة الانجليز طلب منه القاضي «عبد الرحمن النور» والح في الرجوع إلى القضائية..! وتدرج في العمل القضائي.. وانتقل إلى عدة ولايات منها القضارف التي تزوج فيها رفيقة دربه في عام 1959م. ثم عاد للمحاماة التي استمر فيها بعد أن غير النظام المايوي.. الهيكل الإداري للمحاكم.. ولم يكتف بما اكتسبه من خبرات ودراسات.. وسافر إلى جامعة «كمبردج».. بانجلترا..ونال درجة علمية مرموقة لكنها لم ترض طموحاته.. فانتقل إلى «جامعة لندن» وحصل فيها على درجة الماجستير.. التي اضفت على أحكامه المنهجية العلمية..! قبل أن تلتقطه وزارة العدل ويعين كأول محام عام بعد الاستقلال..! عمل رئيساً للقضاء.. في العام 1972م.. فأنار ردهات القانون بوميض العدالة.. ورفد الأمة بمرجعية تحفظ للتشريع والقانون «أصل احكامه»..! قال إن قضية الأخ الذي قتل اخيه في بارا لا ينساها.. وقضية الصول نصر.. وأحكامه القضائية سوابق يستنير بها أهل القانون..! يعشق أولاد حاج الماحي.. ويترنم بمدح المصطفى صلى الله عليه وسلم كغيره من المحبين..! يطرب لأحمد المصطفى وأبو داؤود والكابلي ويرى أن- الجاغريو- أشهر شعراء الحقيبة التي تمجد الفروسية والأصالة وتظهر حقيقة المرأة السودانية الخجولة مهما تغيرت الأزمنة..! ضنين بدموعه أمام الناس لكنه يبكي وحده لفقد الأحباب.. كيف لا.. وهو الذي استصطحب في طول حياته العملية المكللة بالنجاحات قول أحد الصالحين له «أكثر من هذا الدعاء.. اللهم زين ظاهري بالهيبة وباطني بالرحمة فالقضاء يستوجب الهيبة الا أن قلبه رحيم..»!! مولانا خلف الله الرشيد تقبله الله بواسع رحمته رجل خالد من رجالات الزمان الذين لن ينساهم التاريخ لأنهم عرفوا كيف يضيئون شرفاته..!!