زرت وزير المالية مع نخبة من الصحفيين لتقديم العزاء في وفاة أحد أقاربه..الوزير كان يسكن في بيت حكومي متهالك من المنازل المخصصة لمسؤولي السكة حديد سابقاً.. كل ما حول البيت يوحي بالتقشف.. وقبل ذلك حدثنا علي محمود أنه سلّم عربته الحكومية والآن يتجول بمرسيدس قديم موديل العام 1999م.. ربطة عنقه تعود إلى عقد الثمانينات عندما كان موظفاً في بنك التضامن الإسلامي.. ببراعة تمكن هذا الوزير من رسم صورة الرجل الأغبش في أذهاننا.. كان يسأل ببرأة عن النبق الفارسي..أما وجبة «الاندومي» فقد استعان بزوجته ليتذكر اسمها الأعجمي. ذات مساء كنت في طريقي إلى منزلي بضاحية «عد حسين».. وحتى لا اتهم بتضليل الجماهير فأنا لم أسكن فيه حتى هذه اللحظة لوعورة الطريق.. المهم في ذاك المساء رأيت في ناحية حي الراقي تجمعات ضخمة.. فضولي الصحفي ومهاتفة من صديق جعلتني أصوب وجهتي إلى حيث التظاهرة .. وجدت نفسي أمام ميدان فسيح ممتلئ عن بكرة أبيه بالناس.. من خلف الميدان كانت تشهق عمارة رائعة التصميم.. كانت العمارة السامقة إحدى البنايات الجديدة لوزير المالية علي محمود ..أما الجمع فقد كان حشداً من عشيرته جاءوا ليلتقوا في منتداهم السنوي الراتب. تذكرت عمارة الوزير أمس الأول حينما مارس الأستاذ علي محمود عادته في التقشف..الوزير أخبر الحضور الصحفي أنه استأجر سيارة «أمجاد» لخدمة منزله بعد سحب عربة الخدمة الحكومية....الوزير إمعاناً في التحدي طلب من المتشككين إحضار كاميرات التصوير. مضى وزيرنا المتقشف إلى أبعد من ذلك حينما ذكرنا أن عام الرمادة حدث في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب.. ومن قبل نصح ذات الوزير الزاهد شعبنا الصابر بشراء «الكسرة» بدلاً من القمح المستورد من البراري الكندية.. وعندما احتج الناس على نقص في الثمرات.. طفق الوزير على محمود يذكرنا بأيام زمان حيث الماء يباع بالبراميل ويحفظ في الحافظات.. ولم يدرك الوزير أن «الكارو» عاد إلى مدن الخرطوم الراقية بسبب أزمة المياه. بصراحة الوزير علي محمود نموذج لحالة تجسّد واقع الحكومة..أمس الأول وبجرة قلم أعفى رئيس الجمهورية كل مستشاريه..لم ينهار دولاب العمل في القصر.. ربما زاد الإنتاج ..الطبيب أحمد بلال ربما يعود لممارسة عمله الطبي.. أما جراح القلوب الصادق الهادي فزبائنه في الانتظار..المستشار مصطفي عثمان لن يعود لطلابه ولن يقلع أضراس الشعب السوداني.. سيتم ترتيب موقع مناسب لفخامته.. كل هذا «الترتيب» سيشمل الطاقم «الوطني» من المستشارين والخبراء «الوطنيين». بصراحة أكثر الإنقاذ تجيد الحديث عن التقشف دون أن تمارسه.. من يكذبني ينتظر التشكيلة الوزارية الجديدة.. من بضع وثلاثين وزارة سيتم الاستغناء عن ست وزارات.. من عشرات وزراء الدولة سيفقد القليل فرصة عملهم الدستوري. هل تصدقون أن وزير المالية مازال يطمح في زيادة جالون البنزين إلى أكثر من عشرين جنيهاً.. ذلك تحديداً أكثر من سعره في الولاياتالمتحدةالأمريكية. الإنقاذ لا ترى أبدا الأزمة.. بل تتهمنا بالجنون عندما نصف الأوضاع بالكارثية.