لم يكن أحد يتصور أن يوم أمس في مصر سيمر هذا المرور السلس ويتحول من (حبن) الاحتقان إلى المجرى المعافى الذي تتخذ فيه كل فاعلية مكانها اللائق بها وتجد كل كتلة موقعاً يؤهلها لدورها فقد كان يوماً فوق العادة.. يوم مخاطبة الجميع وإرضاء الكل. يرجع هذا الرضى للعبقرية النضرة التي صاحبت خطى مرسي منذ يوم إعلان نتيجة الانتخابات، فقد كان التوتر يطبع علاقة الإرادة الشعبية بالمجلس العسكري من جهة والقضاء من جهة ثانية. استعصمت الإرادة الشعبية بميدان التحرير منددة بالمجلس ومتشككة في القضاء، ومن هنا تسلل مرسي بمهارة وأدى القسم أمام ميدان التحرير وسط الملايين من الغاضبين الحالمين المتطلعين، فمنحه أداء القسم أمام هذه الملايين سنداً وظهيراً ومدداً وحمل في اليوم التالي كل هذه الحمولة الفائضة شعبياً للمحكمة الدستورية وأدى قسماً ثانياً، لكنه قانوني ودستوري نقل السلطة له دستورياً وشرعياً فأصبح بسند الدستورية ومدد الشرعية أول رئيس مصري منتخب. ثم توجه لجامعة القاهرة حيث احتشدت النخب ورؤساء الأحزاب ورموز المجتمع والمثقفون والكتاب ورجالات الجيش والشرطة وكل البرلمان المنتخب.. أرسل مرسي لكل هذا الجمع وكل تلك الأطياف إشارات طمأنت الجميع على مدنية الدولة ونظامها الجمهوري والشراكة الوطنية فاستقبل كل طيف إشارته بالرضى الكامل، وتوج مرسي يومه الطويل الشاق بحضور حفل التنصيب الذي أقامه المجلس العسكري لتسليمه السلطة فخاطبهم كأنه فرد من القوات المسلحة وقاطع القادة الكبار كلمته مرات عديدة بالتصفيق، وفي ختام الحفل فاضت مشاعر جياشة والتقط معه القادة الكبار الصور التذكارية وسلموه السلطة بقوة الشرعية والإرادة الشعبية. أرضى مرسي ميدان التحرير الهائج الضاج بكل المواجع وكسب إخوانه وسلفييه وثواره وكسب احترام القضاء له بامتثاله لقوة القانون بأدائه القسم أمام الدستورية وأفواج قادة الجيش بهذا الخروج الآمن بتأكيده على وفائهم بالعهد. إذا مضى مرسي بهذه الكياسة وأدار معاركه بمثل هذه الحنكة، فإن مصر مرشحه للعودة بقوة لدورها الإقليمي الكبير ولمكانتها المرموقة ولنكهتها التي كاد مبارك أن يبددها كلياً.