دشن المصريون للمرة الأولى في تاريخهم حاكماً من خارج القوات المسلحة منذ ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952، وهو أيضاً الرئيس الأول في تاريخ مصر منذ سبعة آلاف عام الذي ينتخبه الشعب مُباشرةً . كما أنه أول رئيس في العالم يقسم اليمين الدستورية ثلاث مرات، ما عكس أجواءً متباينة في المجتمع المصري، وأدخل موسوعة جينز العالمية رقماً قياسياً جديداً من نوعه. فقد أدى محمد مرسي رئيس مصر رسمياً اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا أمس السبت، وبحضور كامل هيئتها البالغ عددهم (19) عضواً، وبرئاسة المستشار فاروق سلطان، ونص اليمين الدستورية هو: (أقسم بالله العظيم أن أحافظ على النظام الجمهوري ووحدة الوطن وسلامة أراضيه). وأشاد الرئيس المنتخب في كلمته عقب أدائه اليمين بنزاهة القضاء المصري واستقلاله، مؤكداً احترامه لأحكام المحكمة الدستورية، ولاستقلال السلطتين القضائية والتشريعية. وكان مرسي قد أدى اليمين الدستورية في ميدان التحرير أمام المشاركين في المظاهرة التي أطلقوا عليها (مليونية تسليم السلطة وإلغاء الإعلان المكمل ورفض حل مجلس الشعب). ولفت مرسي انتباه الحضور في كلمته بميدان التحرير بالإشارة إلى ضرورة الإفراج عن المسجونين بأحكام عسكرية، والبدء في بحث الإفراج عن الشيخ عمر عبد الرحمن أمير الجماعة الإسلامية الجهادية المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة في الولاياتالمتحدة، وذلك بتهمة التآمر في قضية تفجير مركز التجارة العالمي سنة 1993م. ووجهت قوى سياسية انتقادات حادة للرئيس المنتخب، وقال عضو مجلس الشعب المنحل محمد أبو حامد (لا يصح أن يقف الرئيس على منصة تتحدى الأحكام القضائية ثم يقسم في اليوم التالي على احترام القانون والدستور). وفي المقابل شهدت العاصمة المصرية تظاهرة مضادة لمرسي وجماعة الإخوان تؤيد القوات المسلحة، وتدعم الإعلان الدستوري المكمل، وذلك في مدينة نصر شمال القاهرة، أمام ضريح الرئيس أنور السادات الذي أغتيل في 6 أكتوبر 1981م على أيدي جماعة الجهاد المتشددة. وبينما تمت مراسم أداء اليمين داخل القاعة الكبرى بالمحكمة الدستورية، بحضور عربي وإقليمي ودولي، ووسط ترتيبات أمنية غير مسبوقة، كان أدى الرئيس المنتخب قبلها اليمين الدستورية في جامعة القاهرة للمرة الثالثة أمام أعضاء مجلسي الشعب والشورى المنحلين وبحضور رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير حسين طنطاوي وشخصيات عامة من بينهم مرشحون رئاسيون خاسرون. وشهدت جامعة القاهرة مراسم احتفالية تاريخية، وأطلقت مدفعية الحرس الجمهوري (21) طلقة لدى وصول مرسي، وعزفت الموسيقى العسكرية السلام الجمهوري، ولفت أنظار المتابعين توجه مرسي عكس اتجاه قاعة الاحتفالات الكبرى بالجامعة ما أربك مرافقي الرئيس وأسرعوا بتوجيهه إلى باب القاعة. يُذكر أن قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة شهدت العديد من الأحداث التاريخية المهمة في عهدي عبد الناصر والسادات، كما وجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما كلمته إلى العالم الإسلامي من القاعة نفسها، ليدشن توجه الولاياتالمتحدةالأمريكية الإستراتيجي الداعم للحرية والذي يرسي دعائم التواصل مع العالم الإسلامي. وشهدت الساعات الأخيرة قبل إصدار بيان من رئاسة الجمهورية بموعد ومكان أداء القسم مشاورات مكثفة للرئيس مع عَدَدٍ من فقهاء القانون بينهم نائب رئيس مجلس الدولة السابق المستشار طارق البشري، ورئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس الجمعية التأسيسية للدستور المستشار حسام الغرياني، وأستاذ القانون الدكتور ثروت بدوي، وأستاذ القانون الدكتور عاطف البنا، استهدفت المشاورات الخروج بشكل قانوني من مأزق مطالبة قوى سياسية ومعتصمي التحرير بأداء القسم أمام نواب البرلمان المنحل أو في الميدان، وبين إلزام الإعلان الدستوري المكمل لرئيس الدولة بأدائه أمام الدستورية العليا. وأجمع فقهاء القانون على ضرورة أن ينهي الرئيس الجدل الدائر حول الجهة التي سيؤدي أمامها القسم وأن يسارع إلى تسلم السلطة بشكل قانوني (حتى لا يسمح لأحد بالتواطؤ أو المماطلة في تسليم السلطة إلى الرئيس المدني المنتخب وللحصول أيضاً على الشرعية الدستورية كاملة). وتلقى الرئيس المنتخب أيضاً نصائح بالالتزام بنص اليمين الدستورية عند أدائه القسم أمام عمومية الدستورية، وعدم إبداء تحفظات على أية فقرة تتعلق باحترام الدستور والإعلان المكمل، إلى جانب زيارة ميدان التحرير وإلقاء خطابه وسط المتظاهرين كما وعد من قبل، لتعزيز فكرة اكتسابه شرعيته من الميدان. وفي سياق متصل، تحتفل القوات المسلحة بمراسم تسليم السلطة للرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، بمنطقة الهايكستب، وتبدأ مراسم تسليم السلطة بعزف السلام الوطني، وتحليق الطائرات في السماء وعليها علم مصر، وأعلام الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، كما تعرض القوات المسلحة المصرية فيلماً تسجيلياً عن دور الجيش منذ قيام ثورة 25 يناير 2011م وحتى تسليم إدارة البلاد إلى الرئيس المنتخب. اعتباراً من 30 يونيو 2012م تسلم أول رئيس منتخب في تاريخ مصر ينشغل المصريون الذي انقسم مجتمعهم بين رافض ومؤيد للرئيس بما ستكون عليه الحال غداً، هل ستكون مصر إخوانية بالنظر إلى انتماء الرئيس إلى جماعة انضبطت تنظيمياً قبل 83 سنة، أم مصر مدنية حقاً ورئيساً منتخباً للمصريين جميعهم يخلع رداءه الحزبي والأيدولوجي؟ الزهار: حضور القضية الفلسطينية في خطاب مرسي يؤكد دعم مصر القوي لها أكد الدكتور محمود الزهار القيادي البارز في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أن ما أعلنه الرئيس المنتخب محمد مرسي في خطابه أمس، بجامعة القاهرة حول وقوفه مع الشعب الفلسطيني، حتى يحصل على حقوقه المشروعة كافة يدعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة بقوة، مرحباً في الوقت نفسه بأن القضية الفلسطينية كانت حاضرة في أول خطابات الرئيس مرسي بعد تسلمه مسؤولية الحكم رسمياً. وقال الزهار في تصريح خاص لمراسل وكالة أنباء الشرق الأوسط فى غزة، «إن هذا الموقف من الرئيس مرسي يأتي منسجماً مع مواقف الشعب المصري وتاريخه الطويل في دعم القضية الفلسطينية». وأضاف «بالتأكيد الموقف المصري القادم تجاه الشأن الفلسطيني سيكون حيادياً وإيجابياً وسيدعم الشعب الفلسطيني في عدم التخلي عن ثوابته ومواقفه، فإن الموقف المصري الرسمي الجديد سيتغيّر تجاه تقديم الدعم للشعب الفلسطيني خاصة قطاع غزة المحاصر»، لافتاً إلى أن النظام السابق كانت له حسابات تجاه طرف على حساب طرف آخر. وأشار الزهار إلى أن الشعب المصري كان متوحداً مع الشعب الفلسطيني ورافضاً لحصار قطاع غزة والحرب الإسرائيلية عليه، وتجويع سكان القطاع، مشدداً على أن نهضة مصر وقوتها القادمة واستعادة مكانتها هو استنهاض لقوة المنطقة، وفيه تعزيز للقضية الفلسطينية، وعدم تخلي الشعب الفلسطيني عن ثوابته وقال الرئيس مرسي في خطابه إن مصر ستقف مع الشعب الفلسطيني حتى يحصل على حقوقه المشروعة كافة، مؤكداً أن مصر ستعمل على إتمام المصالحة حتى يكون الشعب الفلسطيني صفاً واحداً لاستعادة حقه. سلطان: وجود الرئيس في مقر الدستورية تجسيد لإعلاء الشرعية ألقى المستشار فاروق سلطان رئيس المحكمة الدستورية العليا كلمة خلال مراسم أداء الرئيس محمد مرسي للقسم الدستوري قال فيها: إن «هذا يوم مشهود من تاريخ مصر ذلك الذي سطر فيه شعبنا العظيم الصابر الثائر بدمائه ونضاله وصلابته صفحة من صفحات المجد والكرامة والعزة». وتابع فاروق قائلاً «فاليوم تستقبل المحكمة الدستورية العليا هذه القلعة الشامخة من قلاع الحرية والديمقراطية والعدالة.. حصن الأمة في مواجهة البغي والظلم واستلاب الحقوق تستقبل أول رئيس منتخب لجمهورية مصر العربية بإرادة شعبية ديمقراطية أثمرتها انتخابات حرة نزيهة حسم نتائجها قول فصل لجموع المواطنين». وأضاف المستشار فاروق «نرحب بكم ونعتز بحضوركم إلى هذه المؤسسة الدستورية العريقة التي نثق أنكم تشاطرون شعب مصر تقديركم لها واعتزازكم بدورها في حماية الشرعية الدستورية وإعلاء سياسة القانون على رؤوس كل العباد». وقال إن وجود الرئيس اليوم (أمس) في مقر المحكمة الدستورية العليا هو تجسيد حقيقي لإعلاء الشرعية الدستورية نرفع بها راية الدستور فوق كل الهامات. وأشار فاروق إلى أنه في يوم الأحد 4 من شهر شعبان العام 1433ه الموافق 24 من يونيو 2012م أعلنت لجنة الانتخابات الرئاسية عن فوز الدكتور محمد مرسي بمنصب رئيس جمهورية مصر العربية في الانتخابات التي جرت يومي 16 و17 من يونيو للعام 2012م. وأعرب فاروق سلطان عن تهنئة الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا للدكتور محمد مرسي بانتخابه رئيساً لمصر، قائلاً «أقدم لسيادتكم بأصدق التهنئة بالثقة الغالية التي أولاها إياكم شعب مصر العظيم ونتوجه للمولى العظيم أن يوفقكم في مهمتكم الصعبة ويسدد على طريق الخير خطاكم من أجل مصر وطناً وشعباً».