أصبت بالدوار المفضي للغثيان مقدمة «الطراش» -أو استرجاع ما في الامعاء- في هذاالشهر الكريم وأنا اطالع المعلومات والوقائع التي أدلى بها بروفيسور مأمون حميدة وزير صحة ولاية الخرطوم حول استثمارات ولاية الخرطوم، لكنني قطعت مطالعة التقرير خوفاً على صيامي وريثما اتمالك وأمسك نفسي. ü التقرير الذي تلاه الوزير وعززته افادات رئيس لجنة التحقيق د. بابكر محمد مديرإدارة الطب العلاجي بالوزارة، يؤكد «باختصار كده» انه «المسألة سايبة»، وكما يقول أهلنا بأن «المال السايب بعلِّم السرقة»، وإلا كيف يمكن فهم كل هذه المخالفات المتراكمة في مستشفى واحد تابع لوزارة الصحة، هو مستشفى الخرطوم، ولا أريد أن أذكركم بصراع «المافيات المصلحية» الذي اقعد الوزارة في أوقات سابقة حتى تدخلت الرئاسة، وفصلت هذا ونقلت ذاك من كبار المسؤولين.. لكن من الواضح أن جرثومة الفساد وخلاياه المسرطنة قد انتشرت وتمددت حتى أصابت جل مؤسسات الوزارة، وأكبر دليل هذا التقرير المخيف الذي يكشف حجم الفساد ومساربه، وتعدد وجوهه في أكبر مستشفى قومي- قرروا تحويله ولائياً- هو مستشفى الخرطوم.. وربما كانت مناسبة التحول هذه واجراءاته و«عملية الاستلام والتسلم» هي التي فضحت بعض حقائق الفساد وكشفت بعض المستور، الذي تحدث عنه الوزير ومدير الطب العلاجي بوزارته. ü وحتى لا يصيبكم ما أصابني من دوار وغثيان أقدم لكم تلخيصاً مختصراً لبعض الوقائع التي تحدث عنها الوزير ومدير الطب العلاجي، حتى يصبح لديكم- على الأقل- تصور مبدئي لحجم الفساد في أعرق وأكبر وأهم مرفق صحي في البلاد هو مستشفى الخرطوم، سند الفقراء والمساكين والأرامل، الذين أصبح عليهم في السنوات الأخيرة أن يتكفلوا بكل شيء يخص علاجهم أو عملياتهم من الاجزخانات المجاورة من الشاش، الى القطن، الى الحقنة، الى المحاليل الوريدية، بينما تذهب أموال الدولة والشعب الى جيوب المفسدين «ذوي القفا المسنود». ومع ذلك يلقمون كل من يتحدث عن الفساد حجراً، ويرهبونه بأن عليه إبراز الدليل وإلا أقيم عليه «حد القذف» سجناً أو جلداً أو تشريداً للصالح العام، أو نفياً وتغريباً- وبحسب الوزير حميدة (الانتباهة 1 اغسطس 2012)- واستناداً الى نتائج التحقيق: ü وجود تجاوزات ومخالفات مالية وإدارية وقانونية تسببت في ضياع مبالغ مالية بلغت أكثر من 6 ملايين و800 ألف جنيه، ما دفع «صحة» ولاية الخرطوم-التي آلت اليها المستشفيات الاتحادية- الى اتخاذ اجراءات قانونية ضد شركات وأفراد لاسترداد المبالغ الضائعة مستعينة في ذلك بالمراجع العام. ü قررت الوزارة كذلك التحقيق ومراجعة كل الاستثمارات بمستشفى بحري وأم درمان وتتبيعها للقطاع الخاص للإشراف عليها - وهنا لا أدري ما الحكمة في ذلك هل يا ترى لأن القطاع الخاص مبرأ من الفساد؟!- وكشف الوزير في مؤتمره الصحفي عن وجود (35) مخالفة -نعم.. خمس وثلاثون- بالمجمع الجراحي لمستشفى بحري. ü تعهد الوزير باتخاذ اجراءات قانونية في مواجهة شركة «باجعفر» والزامها بسداد مبلغ (1227.139) جنيهاً اضافة لتسديد حسابات استحقاقات الكهرباء، والمياه، وخدمات الصرف الصحي، والنفايات، حسب المدة الموقعة في العقد. ü سمع حضور المؤتمر عن أسماء شركات وشخصيات قال الوزير إنها ركبت زورق الفساد، وجدفت به في حق المستشفيات وحقوق مرضاها -باجعفر، الفاركيم، عمر الفاروق، مستوصف كردفان والمختبرات الاردنية- ليس مهماً من هم، ولا نريد أن نعرف من هم، لكن المهم أن مؤتمر الوزير ومستشاره للطب العلاجي قد فتح «صندوق البندورة» -البندورة «الممزرة»- التي تمثل مؤشراً قوياً ودليلاً أكيداً بأيدي من هم في الحكم، وليس «بيد عمرو الصحفي او زيد المعارض»، حيث شهد شاهد من أهل الحكم على الكيفية التي تدار بها أهم مرافق البلاد وأكثرها حساسية، لأنها تتصل بصحة الناس وحياتهم، إدارة فاسدة بدون أدنى شك، لأنه عندما ينعدم الضمير- حتى في مجال الصحة- فسيصبح من اليسير جداً أن يصبح «سعر سوق» في كل مكان وحيثما ما كان.. ففساد الصحة يؤكد صحة الفساد.