بصراحة شديدة كلما رأيت السيد باقان أموم على شاشة التلفزيون أو سمعته على الأثير، ينتابني دائماً شعور غريب لا أعرف له تفسيراً حتي الآن، فهذا الرجل هو الرجل الذي يريد أن يفصل جنوب السودان عن شمال السودان، وهذا الرجل هو الرجل الذي يريد أن يحرم الجنوب والشمال في أن يكونا دولة واحدة وكيانا متحداً، وأرجو أن أكون مخطئاً في هذا الوسواس الخناس، وقد فرحت كثيراً عندما التقي السيد نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية مع السيد باقان اموم بالقاهرة، لبحث بعض ترتيبات الاستفتاء، ذلك لأنني أعلم جيداً أن السيد نافع علي نافع لديه المقدرة اللازمة في اقناع السيد باقان أموم وتحويله من الاتجاه المعاكس الى الاتجاه الوحدوي، ولكن اتضح لي أخيراً أن السيد باقان أموم يحتاج الى أكثر من السيد نافع علي نافع، لأنه مراوغ، وخطير، وفكرة الانفصال تجري في عروقه وشرايينه منذ زمن بعيد، ويريد أن يفرضها قهراً على كل الجنوبيين، بل ويعتبر من الجنوبيين القليلين الذين تربوا وترعرعوا على الانفصال، وهو الشخص الوحيد الذي يجاهر بالانفصال ويدافع عنه، ويتلذذ كثيراً بمقولته المشهورة التي تقول.. ليس هناك وقت للوحدة الجاذبة، وأن العد التنازلي للاستفتاء قد بدأ، ولا ننسى بأنه قام بعد نهاية زيارته للقاهرة بافتتاح الخط الجوي المباشر من القاهرة الى جوبا.. الأمر الذي يجعلنا نتساءل أين نحن من الذي يحدث أمامنا؟ بل وأين مسؤولو الدولة المنوط بهم تنفيذ مثل هذه الأمور، وهل بالفعل انفصل الجنوب من الشمال أم هذه تجربة؟. ومن الجانب الآخر نجد أن هناك أخباراً جيدة مفادها.. أن السيد علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية يبلي بلاءً حسناً في اقناع الكثيرين من القادة والكوادر الجنوبية المختلفة في أهمية فوائد الوحدة بين الشمال والجنوب، ويعمل بكل جد واجتهاد لغرس شجرات التنمية المستدامة، التي تفيد الشمال والجنوب معاً، بل أن شغله الشاغل الآن هو الوحدة ولا شيء غير الوحدة، وهو يجوب جنوب السودان من أقصاه الى أقصاه، محتملاً لكل المصاعب والمقاسات في سبيل وحدة السودان، ولا يحتاج الى دعاية أو إعلان، ويجب أن لا ننسي أيها الإخوة بأن الاستفتاء هو نتاج طبيعي لاتفاقية نيفاشا التي رضينا بها جميعاً، فنحن لا نخاف الاستفتاء أبداً، ولكن نخاف من التهديد والوعيد والويل الذي يستخدم من بعض الجهات ضد أخوتنا بالجنوب، وذلك لاجبارهم على تأييد الانفصال منذ الآن. ونحن، وبكل صراحة يجب ألاَّ نقف مكتوفي الأيدي لا ندري ماذا نفعل، بل علينا اتخاذ أصعب القرارات التي تمكننا من تأمين استفتاء حضاري ومعافي من أعمال البطش والحرمان، وضمان أن الشعب السوداني بالجنوب يمارس حقوقه الدستورية دون قيد أو تدخل من أحد. أيها الأخوة هناك سؤال متاح للكل وهو، هل نقف مع إخوتنا في الجنوب ونساعدهم ونحميهم من بطش أي تدخل من أية جهة كانت ؟ أم نقف مع الحركة الشعبية ونحاول استدراجها لتتقبل خيار الوحدة؟ هل نتعظ مما حدث في الانتخابات السابقة من ظلم وبطش ضد الكثيرين من أبناء الجنوب الذين ترشحوا في دوائر مضمونة لهم ولكنهم لم يفوزوا بها؟ أم نحاول لم الشمل وتهدئة الأوضاع لضمان استفتاء نظيف، وأخاف كذلك أن يستمر نفس السيناريو الذي حدث في الانتخابات عند تنفيذ عملية الاستفتاء، لذلك اقترح بأن يتم إعلان خيار الوحدة من قبل حكومة الجنوب، الشريك الأكبر للحكومة، الآن وليس غداً، وبطريقة واضحة وصريحة، ليسمعها كل العالم، وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية، ثم بعد ذلك نترك الأمور للناخب الجنوبي ليقرر ماذا يريد، وأن يتعهد الشريكان معاً بتأييد خيار الوحدة للشعبين الشقيقين، وأن يبذلا كل الجهد حتي يقتنع الإخوة الجنوبيون بالوحدة... أما القول إن ليس هناك وقت للوحدة الجاذبة، فهذا باطل أريد به حق، ويجب على الحكومة التي اختارها الشعب أن تنظم صفوفها فوراً في حالة رفض الشريك الرئيسي لإعلان تأييده للوحدة، لتتعامل جهاراً ونهاراً وليلاً مع الأحزاب والمنظمات والوحدات والتيارات الجنوبية المختلفة التي تؤمن بالوحدة، فالشيء الذي لا يجب أن نتغاضى عنه هو وحدة السودان، لأنها مسؤولية وطنية، ونحن بدورنا لا يمكن أن نعيش على أحلام وأقوال يتداولها مسؤولو حكومة الجنوب لكسب الوقت.إننا وبكل أمانة حريصون كل الحرص على قيام استفتاء الجنوب وأبيي، كما جاء في قانون الاستفتاء لسنة 2009م، وذلك عبر تأكيد حقوق المواطنين الدستورية والقانونية، وفقا للمادة السابعة من قانون الاستفتاء التي تنص على خلق بيئة مواتية لعملية الاستفتاء، بالإضافة الى المادة الرابعة من مذكرة التفاهم المعروفة بإعلان (مكلي) الذي تم عقده بأثيوبيا لتعزيز خيار الوحدة وإبراز مخاطر الانفصال... ولكن في الوقت نفسه يجب ألاَّ نكون سلبيين للغاية تجاه أية ممارسات غير قانونية أو أفعال، ربما تؤثر تأثيراً مباشراً في حرية الاختيار بالنسبة للناخب الجنوبي، يجب أن نضمن بأن الناخب الجنوبي عندما يكون بين الستارة والصندوق، يكون وحيداً وله أن يضع ورقته حيثما أراد، وكيفما شاء، وعندما يخرج من بين الستارة والصندوق، عليه أن يصل الى منزله سالماً معافي دون أن يسأله أحد لمن صوت أو ماذا اختار.