وتبحر حاملة الطائرات تمخر عباب الأمواج تنفتح مشرعة.. الشاشة.. يهطل مطر الإدهاش البديع.. وذاكرة الأمة هي حاملة الطائرات.. وذاكرة الأمة هي تاريخ الوطن البديع، وذاكرة الأمة هي ذاك السودان الذي كان.. ولماذا توجعنا أيها البديع الفيلد مارشال عوض أحمدان «معليش» يا صديقي لقد أردت أن تمنحنا رشفات من سكر ودفقات من عسل مصطفى.. ونفثات من عطر بهيج.. وصفحات بلون المجد لنسعد ونمرح ونغني، ولكن «خانك إلهامك» فها نحن ننوح نبكي ونتوجع.. نبكي على ذلك الماضي الذي كان، وياله من ماضٍ.. ويا لها من أيام ويا له من تاريخ ويا لها من أمجاد. ذاكرة الأمة تجسد كل ما في السودان شعباً .. سكانا.. أمة.. وثقافة.. وإبداعاً.. وبهاء وجمالاً وقلباً وعقلاً.. كان كل ذاك الخليط البديع.. يقف شامخاً على مرمى ميكرفونها من كل حدب وصوب، هذا الخليط والمزيج من ألوان طيف الأمة والذين تدفقوا من كل حدب وصوب، أبدعوا فناً وحياة مترفة.. ثرية غنية وجزلة.. ونسجوا ثوباً غطاهم بإلفة دافئة.. إنها إذن ليست ذاكرة الأمة، بل هي صورة للسودان الجميل النبيل زمان.. والذي كان وها نحن نعيش زماناً غير ذاك الزمان وإن كان هو المكان.. بعد كل ذلك.. ألا يحق لنا البكاء.. بل النشيج والنواح.. ولو حاولنا نتذكر نعيد الماضي من أول نلقى الزمن غير ملامحنا.. ونحن بقينا ما نحن.. ونحن الصابرين على المحنة.. والآن أحبتي والذين لم يعيشوا ذاك الزمن البديع وللأحبة من صبيان وصبايا هذا الوطن البديع، والذين لم يرشفوا قطرات من شهد السودان في ذاك الأوان المصفى.. لابد لهم من انتظار سحابة ذاكرة الأمة الحبلى بالمطر والتي تهطل على ثرى الوطن يوماتي. والآن دعونا ندخل حفاة في خشوع الى كابينة القيادة.. قيادة مركب الوطن البديع.. يقودنا المارشال عوض أحمدان الى أقسام الوطن وصفحاته الملونة المترفة، لفتح بل لفتح صفحة الغناء البهيج.. يتدفق نهر اللحن والكلمة المجنحة.. والكلمات الفراشات.. وينهمر المطر.. وعبد العزيز محمد داؤود يردد في روعة ثراء وتطريب.. عجباً يقول الناس انك هاجري.. وياله من سؤال يفيض دهشة وعجباً وغضباً.. والتفاتة حانية للمحبوب.. وسؤال استنكاري للمحبوب.. و....أنسيت انك في شعوري وفي دمي هذا.. أم عثمان حسين.. وتوأم روحه بازرعة.. ذاك الذي مزقت فؤاده الغربة، وتطاولت ليالي البعاد المسهدة، وحنين دافق للوطن.. وانحياز رهيب للتراب.. للأهل.. للشواطئ.. للضفاف.. وللسواحل.. وما أسعد ذاك الطير الذي يحمل حرفاً وحباً وأمانة ووداً من بازرعة.. كل طائر مرتحل عبر البحر قاصد الأهل حملتو أشواقي الدفيقة ليك يا حبيبي للوطن لترابو لشطآنو للدار الوريقة أرأيتم أحبتي كيف هو بديع ذاك الغناء.. وهاكم شعاع فضي بل ضوء من القمريبهر كاللآلئ، وكلمات مكتوبة بالدموع بل بالدم والرعاف والنزيف، يطلقها في الفضاء تعلن حداداً ومأتماً ونحيباً.. إننا طيفان في حلم سماوي سرينا واعتصرنا نشوة العمر ولكن ما ارتوينا كانت الجنة مسرانا فضاعت من يدينا ثم ضاع الأمس منا وانطوت في القلب حسرة وتواصل ذاكرة الأمة نثر ابداعها في فضاء الوطن البديع، وتواصل سماحتها وجمالها وهي تنثر أزهارا رائعة على ضفتي النهر العظيم.. وأواصل معكم بكرة. طه النعمان