مرة اخري لأبناء البطانة بالمليشيا: أرفعوا ايديكم    موسى محمد أحمد يؤكد موقفهم الداعم للقوات المسلحة واحتفالات في الفاشر    تأخير مباراة صقور الجديان وجنوب السودان    شاهد.. الفنانة عشة الجبل تطلق أغنية جديدة تدعم فيها الجيش وتسخر من قوات الدعم السريع: (قالوا لي الجيش دخلا الدعامة حطب القيامة جاهم بلاء)    الكابتن الهادي آدم في تصريحات مثيرة...هذه أبرز الصعوبات التي ستواجه الأحمر في تمهيدي الأبطال    شاهد بالفيديو.. وسط دموع الحاضرين.. رجل سوداني يحكي تفاصيل وفاة زوجته داخل "أسانسير" بالقاهرة (متزوجها 24 سنة وما رأيت منها إلا كل خير وكنت أغلط عليها وتعتذر لي)    شاهد بالصورة.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تشعل مواقع التواصل الاجتماعي بأزياء قصيرة ومثيرة من إحدى شوارع القاهرة والجمهور يطلق عليها لقب (كيم كارداشيان) السودان    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    من سلة غذاء إلى أرض محروقة.. خطر المجاعة يهدد السودانيين    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    تفشي حمى الضنك بالخرطوم بحري    بالصور.. معتز برشم يتوج بلقب تحدي الجاذبية للوثب العالي    المخدرات.. من الفراعنة حتى محمد صلاح!    لولوة الخاطر.. قطرية تكشف زيف شعارات الغرب حول حقوق المرأة    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    مدير شرطة ولاية القضارف يجتمع بالضباط الوافدين من الولايات المتاثرة بالحرب    محمد سامي ومي عمر وأمير كرارة وميرفت أمين في عزاء والدة كريم عبد العزيز    توجيه عاجل من"البرهان" لسلطة الطيران المدني    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    لماذا لم يتدخل الVAR لحسم الهدف الجدلي لبايرن ميونخ؟    مصر تكشف أعداد مصابي غزة الذين استقبلتهم منذ 7 أكتوبر    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    توخيل: غدروا بالبايرن.. والحكم الكارثي اعتذر    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    مكي المغربي: أفهم يا إبن الجزيرة العاق!    الطالباب.. رباك سلام...القرية دفعت ثمن حادثة لم تكن طرفاً فيها..!    موريانيا خطوة مهمة في الطريق إلى المونديال،،    ثنائية البديل خوسيلو تحرق بايرن ميونيخ وتعبر بريال مدريد لنهائي الأبطال    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حيدر إبراهيم ومراجعات الإسلاميين.. رصانة البحث ولجَاجة السياسة! (2-2)
نشر في آخر لحظة يوم 16 - 08 - 2012

الدكتور حيدر إبراهيم علي لابد أنه أفنى وقتاً عزيزاً وطويلاً دأباً في رصد وتجميع وتصنيف مراجعات الإسلاميين، وبدا لي -والله أعلم- أنه كان يعد لمشروع بحث أو كتاب آخر يكون أكثر عمقاً ورصانةً واستقصاءً في تتبع كل فكرة لدى هؤلاء وتحليلها للوصول بقارئه إلى مرافيء الإقناع، وحيدر مؤهل لذلك كما نعلم. لكن يبدو أن طارئاً ما أو ضاغطاً ما -عملياً أو نفسياً- دفعه لاستعجال إنجاز هذا المبحث أو «الكتيب» برغم غزارة المادة ووفرتها، فاستعاض المؤلف عن رصانة البحث العلمي بلجاجة السياسة ولغتها السيارة بقاموسها الجاهز والمتداول في إدانة النظام دون إضافة تذكر أو تستوقف القاريء، فبعد عرضه لكل نص من نصوص المراجعين الإسلاميين ينتهي لنتيجة من اثنين إما «تشكيك» في إخلاص صاحب النص ودوافعه للمراجعة أو «إدانة نمطية» سارت بذكرها ركبان المعارضة من زمان، حتى ملها الناس لعموميتها وعدم مردودها العملي في إطار الصراع الدائر بينها وبين النظام.
ü لكن قبل أن يدلف الدكتور حيدر لباب «المراجعات السودانية» مهد لذلك بورقة مهمة وشاملة ل«دوافع واتجاهات النقد والمراجعة» على مستوى الحركة الإسلامية جملة، أو تيارات الإسلام السياسي بتنوعها. وطوف في ذلك على الحركة الأم، حركة الإخوان المسلمين في مصر التي فتحت باب المراجعات تجاه الموقف من العنف وتكفير المجتمع والحاكم، خصوصاً بعد اتهامها ببعض الاغتيالات ومحاولات الاغتيال في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، وذلك عندما أصدر حينها المرشد العام الأسبق -خليفة حسن البنا- حسن الهضيبي كتابه المعنون «دعاة لا قضاة»، وذلك قبل أن يصعد «التيار القطبي» - نسبة لسيد قطب- الذي برر لقتال «جاهلية القرن العشرين» وتصعيد الفعل الجهادي العنيف من خلال كتابات مثل، مؤلفه الشهير «معالم في الطريق». وفي إطار تلك الدوافع والاتجاهات يرصد حيدر كذلك أعمال وتحركات فكرية لرجال مثل د. عبد الله النفيسي وكتابه المهم في النقد الذاتي الذي حمل عنوان: «الحركة الإسلامية-رؤية مستقبلية» 1989 معتبراً جهود النفيسي «تجربة رائدة»، وبالتالي أثارت الكثير من الجدل والتخوف والتشكك بين الإسلاميين. ويتوسع الدكتور حيدر في تفصيل ما احتوته تجربة النفيسي من نقد ذاتي للحركات الإسلامية التي كان أحد سدنتها ورموزها الفاعلة على مستوى الجزيرة العربية، وهو يمتد إلى غياب التفكير المنهجي وعدم بلورة نظرية علمية للاتصال الجماهيري والادعاء بأن العالم يعيش خواءً فكرياً وروحياً وفوضى ثقافية، وطالب الحركة الإسلامية الحديثة بتقديم «نظرية إسلامية متكاملة بمواصفات التغيير الاجتماعي المطلوب على كافة الصعد في المشروع الإسلامي» عوضاً عن العموميات والشعارات والعناوين العريضة التي لا تقول شيئاً في الواقع من مثل «الإسلام هو الحل»، فهو إذن يريد الإجابة عن سؤال: «كيف» يكون الإسلام حلاً.
ü ولا ينسى حيدر التوقف عن كتابات رجال من أمثال عبد الله أبو عزة في ورقته المعنونة «نحو حركة إسلامية علنية وسلمية»، وفتحي عثمان ودعوته للحرية الفكرية داخل الأحزاب والتيارات الإسلامية وبقتل آراء الغير من خارجها وكذلك فريد عبد الخالق في ورقته «نحو مراجعة المقولات والآليات»، كما خصص المؤلف فصلاً قائماً بذاته لعرض مراجعات النموذج الإخواني في مصر منذ ظهور الجماعة في 1928 ودوافع أو بواعث ظهورها ومراحل تطورها المختلفة والتحديات التي واجهتها والميادين التي انداحت فيها سياسياً واجتماعياً وخارجياً بإنشاء مثيلات لها في الدول المحيطة وبإقامة تنظيم دولي، وما عانته في أوقات أخرى من ملاحقات ضاعف من غلوائها نشاط الجماعات التكفيرية التي انبثعت من داخلها، مما اضطر الجماعة بحلول عام (1995) لإصدار «بيان 30 أبريل» الشهير والذي حمل مواقف قاطعة في بعض القضايا الحيوية والمصيرية، كرفض فكرة التكفير وبيان موقفهم حول علاقة الدين بالسياسة والانحياز للديمقراطية والشورى وحق المعارضة، بالإضافة إلى رفض العنف والإرهاب واعتماد العمل السلمي والدفاع عن حقوق الإنسان. كما أصدرت الجماعة مبادرة أخرى للإصلاح في مارس 2004، أبرزت الوجه المحلي للجماعة واستبعدت «قضية الخلافة» وأسقطت البعد الخارجي بما في ذلك القضيتان المركزيتان «فلسطين والعراق»، وكما قال أحد الباحثين -بحسب حيدر- فإن «الجماعة صارت أقرب إلى حزب وطني قطري، بل وحزب يميني ذي توجهات ليبرالية».
ü وبما أن بيان «الجماعة» الصادر عام 1995 ومبادرة الإصلاح في 2004 صادرة عن الجماعة وأجهزتها القيادية والتنظيمية، فإن ذلك يجعل من حكم الدكتور حيدر بأن مراجعات الإسلاميين عموماً كانت مبادرات فردية لا تصدر «عن مؤسسات» حكم في غير محله وينم عن استعجال وتناقض كان بإمكانه أن يتفاداه لو أعطى الدكتور نفسه وقتاً كافياً لفحص المادة التي جمعها وتصنيفها وتأملها للخروج بنتائج أكثر دقة والتزاماً بالموضوعية، كما أن ما أورده الكاتب حول مراجعات الحركة الإسلامية التونسية يؤكد ذات المعنى.
ü أما على مستوى مراجعات الإسلاميين السودانيين فقد تناول الكاتب بالرصد والنقاش كل أعمال الكتاب المهمين بين الناشطين والباحثين الذين كانوا ضمن كوادر الحركة ومنتسبيها، ومنهم د. عبد الوهاب الأفندي منذ خروجه على الحركة في عام 1995 وإصدار كتابه «الثورة والإصلاح السياسي في السودان»، والدكتور عبد الرحيم عمر وكتابه التوثيقي الشهير حول المفاصلة بين الاسلاميين السودانيين (1999)، والتي أكد من خلالها د. حيدر غياب البعد الفكري في ذلك الخلاف الذي قاد إلى بروز حزبي المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، وذلك من واقع الإفادات التي جمعها د. عبد الرحيم عمر من قيادات مهمة كانت لها أدوارها في ذلك الطرح. وقد تنطبق فكرة غياب المؤسسية التي ركز عليها د. حيدر على حالة الحركة الإسلامية السودانية أكثر من رصيفاتها في مصر أو الأردن أو تونس أو غيرها من البلدان، كما كشفت عن ذلك الكيفية التي تم بها تنفيذ انقلاب 30 يونيو أو التي تمت بها إدارة البلاد في السنوات الأولى من عمر الإنقاذ، كما رصدها الأفندي باقتدار في كتابه المذكور.
ü تناول د. حيدر أيضاً كتابات ومراجعات د. التجاني عبد القادر وكتاب د. حسن الترابي: الحركة الإسلامية.. التطور الكسب والمنهج، بالإضافة إلى كتابات د. حسن مكي ذات الطابع التاريخي والنقدي أحياناً، وحتى كتاب المحبوب عبد السلام الذي صدر أخيراً والذي يحمل عنوان «الحركة الإسلامية: دائرة الضوء.. خيوط الظلام.
ü لقد أحصيت في ثبت المراجع نحو 50 مرجعاً بين كتاب ودورية أو ورقة عمل جمعها د. حيدر واعتمد عليها لإصدار الكتاب، وغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع الدكتور حول النتائج التي خلص إليها والتي رأينا أنها «كانت مستعجلة» نوعاً ما، وأن حصيلة حصاده البحثي كان يمكن أن تكون أوفر، بما له من قدرات وصبر ودأب مشهود وبما توفر لديه من مادة، إلا أن ذلك لا ينتقص من قيمة الكتاب، الذي يوفر على أي باحث ومهتم «مادة خام» حول موضوع واحد هو «مراجعات الإسلاميين» لم يكن من الميسور جمعه وتلخيص خلاصاته إلا من باحث في كفاءة د. حيدر وعزمه وإخلاصه للعمل.
ü وأخيراً، لا يمكن أن نختم هذه الإضاءة حول سفر د. حيدر إبراهيم «مراجعات الإسلاميين» إلا بالتأكيد على أهمية الفصل الذي خصصه لدراسة «التجديد (الديني) والعلمنة» والذي يقدم فيه مجموعة من الرؤى العميقة حول علاقة الإسلام بالواقع ويفصِّل في الفوارق بين أنماط العلمانية ونماذجها، كل نموذج بحسب بيئته ويقدم مبحثاً لا غنى عنه حول تعريف «العلمانية» وعلاقتها بالكفر والإيمان، غير تلك العموميات التسطيحية التي استقر عليها البعض دونما هدىً أو كتابٍ منير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.