ضجت الفضائيات والصحف والمواقع الالكترونية بصورة الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما وهو يتناول ساندوتش بيرغر في مكان عام.. وحتى صحفنا المحلية أحتفت بالحدث وكأن أوباما أتى بما لم تأت به الأوائل.. وكان الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكارد ديستان قد سن سنة أن يتناول طعام العشاء مع إحدى الأسر الفقيرة في ضواحي باريس شهرياً ولم تسعفه الفكرة لإعادة انتخابه فذهب وخلفه فرانسو ميتران.. وكذلك فعل رئيس الوزراء التركي رجب طيّب أوردغان ورئيس الوزراء الأسباني والإيطالي وغيرهم. إلا أن ما يفعله رئيسنا المشير عمر حسن أحمد البشير من أعمال ألزم بها نفسه فوق مسؤولياته الدستورية التي تنوء بها «العصبة أولي القوة» فالرئيس يحمل معه سودانيته وعقيدته في كل حركاته وسكناته فهو يشارك أفراد الشعب أفراحهم وأتراحهم ويتحدث بلسانهم ويحكي حكاياتهم ويضحك لنكاتهم ويغني أغنياتهم ويعرض في دلوكتهم.. ويعقد العقود ويشيل الفواتح ويصلي على الجنائز ويوقر الكبار ويداعب الصغار ويصلي في المساجد ويجلس حيث انتهى به المجلس ويركب سيارته غير المظللة يطوف بها في الشوارع كعامة الناس.. ولا يستخدم سيارات الموكب الرسمي السوداء إلا في الأعمال الرسمية فقط.. ولفرط اعتياده على هذه الممارسات لم يعد مثل هذا الكلام يثير أحداً ولا تجد مثل هذه الأخبار طريقها لوسائط الإعلام فأصبحت وكأنها واجبات رسمية للرئيس.. حتى أن البعض أصبح يلوم الرئيس وكأنه شخص عادي من عامة الناس.. الرئيس ما جا شال معانا الفاتحة!! الرئيس ما حضر العقد حقنا!! وهكذا زادت أعباء السيد الرئيس وهي بذلك فوق ما يطيق البشر. وكلما أظلَّنا الشهر «ينشط» برنامج الراعي والرعية أكرر ينشط لأن البرنامج مستمر طيلة أيام السنة.. برنامج الراعي والرعية يكلف مئات المليارات من الجنيهات سنوياً وينظم في الولايات كافة.. ويزور فيه السيد الرئيس ونائبه ومساعدوه والوزراء والدستوريون والولاة العديد من الأسر الفقيرة والمتعففة وللمناسبة فالفقر لا يكمن في الأطراف والسكن العشوائي وحده.. ولكن هناك أسر كثيرة وكبيرة وتسكن في أحياء عريقة وتعاني الأمرين من شظف العيش وقلة المعين.. وليست العمارات بالخرطوم ولا الملازمين بأمدرمان ولا الصافية ببحري إستثناءً.. كما أن هناك من المبدعين والقيادات النقابية والإدارية والعسكرية والتي أثرت ساحات بلادنا بعطائها ثم تولت إلى الظل لا يذكرهم الناس إلا لماماً ولا يعرفون كيف يواجه هؤلاء صعوبات الحياة اليومية.. لكن تحركات ديوان الزكاة تصل إليهم. من منكم يذكر الفنان عبد الرحمن عبد الله ود بارا.. فالرجل البلبل يعيش أزمة مالية طاحنة لم يجد من يذكره إلا ديوان الزكاة.. ويضطلع ديوان الزكاة بمهمة عظيمة وكبيرة لا مثيل لها في كل أنحاء العالم ولعل تجربة ديوان الزكاة عندنا قد ألهمت الكثيرين في بلدان أخرى حتى أن دعوة كبار أ ثرياء العالم بالتنازل عن نصف ثرواتهم لفقراء العالم ستفتقر «إن خلصت النوايا» للآلية التي تجعل تلك الأموال تصل إلى مستحقيها ولعل في تجربة ديوان الزكاة عندنا المخرج المناسب ولا نلوم الديوان في تعتيمه على مثل هذه الأنشطة ربما لحساسية السودانيين لأن الفقه الصحيح لا يمنع الإعلان لا بل يشجعه حفزاً للمكلفين وإحياءاً لسنن التكافل وإنفاذاً لشرع الله الحكيم.. فالشريعة كل لا يتجزأ «أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض».. فالصائمون طيلة شهر رمضان «على الأقل» يجب عليهم الإنفاق.. الإنفاق الإنفاق وليس مجرد «عطية المزين» التي قد يمدها البعض للسائلين الذين تكتظ بهم الطرقات وأبواب المساجد والمحال التجارية والمطاعم والكافتيريات.. فلن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم.. أتاحت لي الظروف المشاركة في تلك الزيارات الليلية ورأيت وسمعت ما يكفي لإصدار كتب وليس كتاباً فمشروع الراعي والرعية والذي ينشط هذه الأيام قربى إلى الله ومفخرة لكل سوداني بأنه يستظل بمظلة دولة تخشى الله وتَتّقيه.. ولا ترجو ثواباً إلا منه.. وقد يكون هناك من الساخطين على أداء الديوان لكن الحقيقة غير ذلك فالديوان يعمل على أسس شرعية صارمة.. ووفق قواعد إدارية ومحاسبية لا تقبل الجدل ويقوم عليه رجال يخافون الله.. ولا يُقبل عقلاً أن يأكلوا أموال الزكاة إسرافاً وبداراً ثم يلقون الله وعلى ظهورهم تلك الأوزار ويعلمون أن الصدقات من أقرب القربات.. وأن الخلق عيال الله وأن أحبهم إلى الله أنفعهم لعياله.. لكن هناك محترفين من معتادي التسول يحملون «أوراقهم المصورة» لعشرات النسخ يطرقون بها أبواب الديوان وكبار المسؤولين يطلبون الزكاة فإذا أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون. أنا أدعو كل القراء أن يبتهلوا إلى الله أن يحفظ حكامنا ماداموا على الجادة وأن يعين ديوان الزكاة وكل العاملين عليها لما فيه الخير والسداد والقبول ونخص بالدعاء السيد الرئيس الذي يراعي الله في كل ما يقوم به دون إعلام ولا ضوضاء.. في احدى السفريات الخارجية بمعية الرئيس دخلت عليه أنبهه لدخول وقت الصلاة فقلت له «يا سعادتك متوضيء؟» فردّ عليَّ بين الجد والهزل.. «هو أنا لو ما كنت متوضيء طوال الوقت كنت بكون قاعد معاكم سالم الزمن دا كله». وهذا هو المفروض،،