تظل الحركة الشعبية رغم انفصال الجنوب المحور الرئيسي المحرك لكثير من القضايا المختلفة ما بين دولة الجنوب الوليدة ودولة السودان، فهي منذ نشأتها ورفعها لشعار تحرير السودان وترديدها شعار السودان الجديد الموحد تتحرك بأحادية في سياستها بالجنوب مختزلة كل الأحزاب الأخرى حتى الآن.. الشماليون المنضمون اليهم في نشأتها فيما يعرف بقطاع الشمال من أبناء مناطق التماس سواء كانوا من جبال النوبة أو النيل الأزرق، أو بعض أبناء الشمال وجدوا أنفسهم في حالة انفصام للشخصية ما بين انتمائهم للجنوب والحركة الشعبية، وما بين جذورهم في الشمال، حيث هم معارضون، ولكن بعد الانفصال وعدم فك الاشتباك من الحركة الشعبية بات موقفهم حرجاً في ظل تخلي الحركة الشعبية عنهم، وتخليها التدريجي عن مساندتهم، وإن كان في الظاهر والتصريحات إعلانهما الدعم لهم، وذلك بحسب خبراء ومحلليين سياسيين.. حيث أشاروا إلى سقوط نظرية السودان الجديد وشعارها المرفوع بعد أن نالت الحركة الشعبية مطلبها في دولة جديدة، آثرت أن تصوِّت لانفصالها في استحقاق شهده العالم أجمع.. وباتت ترتب لأوضاعها كدولة بعيداً عن سودان شمالي كانت تريد تحريره!!. الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان في تقرير بسوداني أون لاين الموقع الالكتروني الشهير وبتاريخ 12/7/2012م كتب عن تلك الحالة الانفصامية لشماليي الحركة الشعبية ووهم السودان الجديد، وحالة نكرانهم للتطورات التي حدثت وغفوتهم في أوهامهم بالسودان الجديد، رغم حدوث الانفصال ودفاعهم المستميت عن الشعار، حتى بعد أن صدرت قرارات مؤتمر توريت ومؤتمر شقدوم، وحتى بعد توقيع الحركة لعدد من الاتفاقيات التي أفضت بما هو واقع الآن من قيام دولة الجنوب.. مشيراً الى أن إرهاصات هذه المرحلة ظهرت في عدة قرارات للحركة الشعبية إبان مؤتمر شقدوم بجنوب السودان في أبريل 1994م، وفي ذلك المؤتمر اتخذت الحركة الشعبية قرارات وتعديلات واضافات إلى منفستو الحركة، أهمها الفقرة الثانية التي تقرأ: «تلتزم الحركة الشعبية بالنضال لتحقيق حق تقرير المصير في السودان الجديد للشعوب المضطهدة، وذلك بعد تقويض النظام، وهنا ارتباك واضح بالفقرة، وتناقض فما الحاجة إلى تقرير المصير إذا كان النظام القائم قد سقط وحل محله السودان الجديد!! وكذلك عدم فطنة شماليي الحركة الشعبية لقرار الحركة على النظام الكونفدرالي خلال الفترة الانتقالية، وتغاضوا عن برتوكول مشاكوس في 2002م والذي تضمن ليس حق تقرير المصير فقط، بل نص على تطبيق الشريعة الإسلامية في الشمال، وهذا ضد شعار السودان الجديد. يرى مراقبون أن تسلسل هذه الأحداث والقرارات والاتفاقات يوضح استراتيجية الحركة الشعبية في تعاملها مع كل أعضائها من الشماليين وتسخير جهودهم لمصلحتها، حتى وصلت إلى مآربها وحققت انفصالها وهي الآن تلعب بورقتها الأخيرة باستخدامهم وقود حرب ونيران مشتعلة لمناطق أخرى، حتى تمزق السودان بذات الطريقة التي انتهجتها هي في انفصالها عن السودان عبر سياسة شد الأطراف والمطالبة بتقرير المصير لما وصفتهم بالشعوب المضطهدة، وينفذ تلك السياسة ما يسمى بشماليي الحركة الشعبية، الذين يؤمنون بشعار السودان الجديد. والآن قطاع الشمال يجد فرصته الأخيرة عن القرار (2046) الأممي الذي جدد فيه الروح للعودة مرة أخرى لطاولة المفاوضات، حول منطقتي جبال النوبة بجنوب كردفان والنيل الأزرق.. ولكن اعتراض الحكومة على أنه يتبع لدولة أخرى لم يمنع من الجلوس والتفاوض مع تزامن دعوات من أهل المصلحة من المنطقتين بأن قطاع الشمال لا يمثلهم، وأنهم المعنيون بمناطقهم ومستقبلها باعتبارهم متكسبين من القضية ولا يمثلونها مثلهم، وهم أصحاب المصلحة الحقيقية، والآن باتوا على طاولة التفاوض.. وكما كشف ذلك حزب الحركة الشعبية تيار السلام على لسان رئيسه الفريق دانيال كودي في تصريحات صحفية عن ورقة سيقدمها حزبه على طاولة المفاوضات تعبر عن مواقف أبناء جنوب كردفان الوطنية تجاه حل قضيتهم ورؤيتهم الواضحة تجاه قطاع الشمال، الذي أكد بأنهم سوف يدحضون دعاويهم ويفندون حججهم ويعرونهم أمام المجتمع الدولي واللجنة الثلاثية.. وذات الموقف تحدث عنه أبناء ولاية النيل الأزرق، فيما عرفوا بأصحاب المصلحة والشأن في المنطقتين، وأصبحوا ممثلين في طاولة التفاوض.. وبهذا الموقف الجديد وما سبق من الحركة الشعبية تجاه ما يسمى بقطاع الشمال، من بعض قيادات متمردة ليس لها قاعدة شعبية تصبح، قضيتهم قد تسربت من بين أيديهم لأنهم في الأصل لم تكن لهم قضية سوى أن يعارضون من الداخل، فهل ينجزون بحكم الوقائع الجديدة ويحسم أصحاب المصلحة المعركة!.