بعد أن قررت البقاء هنا حتى الممات، كان مركز الخاتم عدلان من الأمكنة التي وضعتها على أجندتي بالحضور والمواظبة على ارتياد أنشطته، وحضرت يوم الأول من أمس ندوة عن الأوضاع الصحفية الراهنة، شارك فيها الأساتذة فيصل محمد صالح، والمهندس عثمان ميرغني، والأستاذ ضياء الدين بلال، والناشطة السياسية رشا عوض، وقدمت أنا مداخلة في ثلاث دقائق وسط تذمر بعض مراهقي السياسة من الصبية الذين لم يبلغوا الحلم الراشد، الذي يرفد العقل بحسابات السياسة. كعادته كان فيصل رصيناً وأميناً ومنتجاً وخلاقاً، جسّد عبر مساهمته رؤية المعارض المهني المستنير، وتعرض المهندس عثمان ميرغني لتقاطعات الصحافة مع جهاز الأمن والمخابرات، وبذكائه المعهود الأكبر من سنه كثيراً استعرض الأستاذ ضياء بلال الكوابح التي تعترض طريق الصحافة، واقتصاديات صناعتها.. أما الناشطة السياسية رشا عوض فقد يئست في ورقتها من امكانية تطور الصحافة في ظل النظام الحاكم، واتهمته بأن مشروعه الفكري والسياسي المصمم على صياغة المجتمع لن يسعفه بمنح الصحافة حرياتها، وعرجت على الجنائية، وهاجمت رموزاً سياسية في السلطة، ونادت باسقاط النظام كي تتطور الصحافة، وقوبلت كلمتها بتصفيق حاد من أكف ذات المراهقين الذين استنكروا مجرد وجودي في مركز تربطني باسم المسمى عليه علاقة قوية تنامت حين كوّن (حق)، وحين قررت هيئة القيادة العليا للتجمع الوطني عدم قبول طلب حق للانضمام للتجمع، وكنت ايامئذ أكتب لصحيفة الحياة اللندنية، وكان أمر التحرش به موضوع كتاباتي. أقول لأختنا الناشطة رشا عوض إن كلمتها نسفت نفسها بذات استشهاداتها، وأكلت بنيها كقطة خلوية ذلك ببساطة لأنها نفت حقائق حتى ولو اعتبرتها شكلية. تصورت أنني أعمل مراسلاً من الخرطوم لصحيفة (الغارديان) اللندنية أو الواشنطن بوست، وجئت لتغطية هذه الندوة، وركزّت على كل ما قالته رشا، ونقلت للصحيفة خبراً نصه (أقام مركز الخاتم عدلان ندوة حول الأوضاع الصحفية في السودان، كان أبرز متحدثيها الأستاذة رشا عوض التي اتهمت الحكومة بأن مشروعها الأحادي لن يحقق الحريات الصحفية، وأضافت أنها سلطة معزولة وآيلة للسقوط وليس للحرية أي اعتبارات في أجندتها). قطعاً سيتساءل القاريء الغربي إذن كيف أقيمت مثل هذه الندوة، وأين رشا الآن، وكيف يكون النظام أحادياً ويسمح لمركز للإستنارة مزاولة انشطته، وهو مركز تحاربه بعض أطراف المعارضة ولا تتدخل الحكومة أو تحقق في الاتهامات اليومية التي تقدم للمركز؟!! قطعاً سيؤمن القاريء الغربي بأن السودان ساحة للحريات السياسية، والنظام الحاكم يحرص على التعددية على مستوى الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، وأنه ديمقراطي لأنه يسمح لرشا أن تقول ما تشاء!! ليس من مهمات الصحافة إسقاط النظم السياسية وإنابة الأحزاب عن أصالتها السياسية مهمتها بناء القدرات وصولاً لحس نقدي شفاف.