فعل خيراً محمد محمد خير بطرحه لموضوع مهم الأربعاء الماضي في زاويته المعنونه «لم تكن رشا كحيلة في مركز الخاتم عدلان».. كثيرون لن يفطنوا إلى الاقتباس اللطيف من أغنية الحقيبة «يا رشا يا كحيل.. غيثني».. الموضوع يمكن أن نسميه «اختبار ديموقراطي».. ملخص الحكاية أنه ذهب لحضور ندوة عن الأوضاع الصحفية الراهنة.. فتذمر ضده بعض شباب الضفة الأخرى كما صنفوه بأنه من أذرع الحزب الحاكم.. ولم يكن وصفه لهم ب«مراهقي» السياسة من الصبية موفقاً.. فقد أراد أن يبين عدم قبول أولئك للرأي الآخر بطريقة أبدى سخطه وتذمره من ذات الآخر.. وكنت أحسب أن محمداً يؤمن كثيراً بهتاف «فوليتر» قد أخالفك الرأي ولكني على استعداد للتضحية بحياتي في سبيل أن تقول رأيك.. ولم يكن المطلوب منه التضحية بحياته.. بل كظم غيظه «وكأنه أدانهم بسلاحهم».. هل الكاتب يقصد فعلاً ذم هؤلاء الشباب فوصفهم بالمراهقين.. والمراهقة فترة عمرية ليست سيئة مع أنها يمكن أن تعني عدم النضوج.. لكن بغض النظر عن مسلك هؤلاء الشباب.. فهل هم مراهقون؟!.. إن شباباً يقتطع من وقته ومصروفه ليقدم ندوة عن الأوضاع الصحفية حين انصرف أقرانهم إلى المزرعة السعيدة.. ولعب الورق.. أو التسكع في الطرقات.. أو مصاقرة الحاسوب فيما لا يفيد.. في نفس الوقت لا يمكن أن يكونوا مراهقين وهم يقدمون هذه الندوة.. ربما عبروا عن رأيهم بحدة.. أذكر أن دعُيت إلى ندوة شعرية في جامعة جوبا «قبل الانفصال طبعاً».. ولم أمحص كثيراً قلت هم طلاب ولكني.. فوجئت بأنني في صيوان تعلوه شعارات المؤتمر الوطني وهذا المنشط ضمن استعدادهم للانتخابات وامتلأت القاعة ببعض المهندسين في حضوري هذا المنشط.. فقلت للجميع: والله أنا لم أكن أعرف أن هذه الندوة تخص هذا الحزب.. خاصة وأنا أنتمي للضفة المعارضة.. «ربما ليرتاح الجميع أقول ذلك بسبب شيء واحد فقط إنني من مناصري الدولة المدنية» «وفلوسطب».. المهم قلت ذلك فهلل رهط في فرح.. إذ أنني طلعت براءة.. قرأنا أشعارنا وغنى بعض الطلاب وانصرفنا ونحن في معية طلاب الاتجاه الإسلامي.. واعتذرت لهم إن كنت قد أحرجتهم.. فقالوا على العكس أفرحنا ذلك.. لأنه يدل على انفتاحنا.. بعد الندوة حاصرني طلاب المعارضة بالأسئلة وأولها إن كنت عرفت أنها ندوتهم هل كنت ستوافق؟.. السؤال لم يكن موفقاً والإجابة واضحة طبعاً لن أشارك.. كنت على الأقل سأتساءل عن المطلوب مني.. وعن دوري.. المهم فرُحت والجميع راضٍ عني.. أعتقد فقط لأنني كنت صادقاً. الآن يا محمد.. أقول لك إن رشا لا تحتاج إلى كحل لأن كحلها رباني.. كنت لا تعرفها صحيح هي مصادمة وواقفة «ألف أحمر» ضد النظام.. لكنها فاعلة.. ومتطورة وإعلامية متمكنة.. أدارت في قناة «إيبوني» حوارات بتمكن واقتدار لم تنافس ضيوفها وكانت حاضرة بالصمت.. والهمس.. عموماً هي لا تستحق هجومك أنت بالذات وهل يجرؤ الشاعر علي ذم الوردة لأن شوكتها طعنته. كما أنني لا أعفي الشباب المتذمر من النقد.. كان ينبغي أن يوسعوا صدورهم.. خاصة وهم يتبنون أجندة التغير الديموقراطي.. كان عليهم أن يجادلوا بالمنطق لا بالتذمر.. بالحوار لا بالهتاف.. لو كانوا أكثر حصافة لجروا الرجل إلى جدل قد يضطره إلى استخدام كل أسلحته النثرية والشعرية.. لماذا لم يكونوا مثل فيصل محمد صالح الذي يحبونه وهو صديق عزيز على محمد.. الذي يختلف معه في السياسة ويصادقه في الإنسانية.. والجميع يتفق مع خاتمتك للموضوع «إن مهمة الصحافة بناء القدرات وصولاً لحس نقدي شفاف».. فعبر ذلك يمكن تحقيق أجندة كثيرة ضمنها التغيير.. هل سقط نظام مبارك بين يوم وليلة؟.. إنها سلسلة طويلة من النضالات عبر الصحافة الحُرة.. والتي عبرها تمت تعرية النظام.. بل ساهمت فنون القصة.. والسينما.. والمسرح والتشكيل في تعبئة الجماهير.. إن المقاومة بدأت رومانسية وبسيطة.. إطفاء الأنوار لمدة معلومة أن تقف الأسرة أمام بيتها.. أن تتم مسيرة تحمل الشموع.. بأساليب متنوعة.. فالثورة هي الأخرى إبداع وفن إبداع طويل النفس.. وهذا النفس الطويل في الشهيق والزفير يوقد «براحة.. براحة» شعلة التغير.. أرأيتم أن الإخوة في ميدان التحرير كانوا يقبلون بعضهم بعضاً.. فالتقى العلماني مع المتدين.. والسلفي مع القومي.. والمسيحي مع المسلم.. فلما نجحت الثورة أصبحوا يتعاركون في القنوات الفضائية بضيق مقيت بالآخر وصل حد التنابذ!.. ففي حلقة «ناس بوك» للدكتورة هالة سرحان.. دفع متحدث إسلامي صحفية مسلمة بأنها مسيحية ووصفته بأنه «غبي».. فوصفها بأنها «قليلة أدب».. عاد دا كلام!!.. أنتم تفكرون في الثورات ونحن نفكر في ما بعد الثورة!