كان المساء يعبر خفيفا كقصيدة تنهض على أعمدة من الصمت وأجنحة العصافير ، وكانت ذاكرة الطرقات تحتفظ ببقايا عاصفة عابرة لوثت جدران البيوت بهالة خفيفة من الغبار ، وفي عمق المدى كانت هامات النخيل تعزف لحنا جنائزيا ومرثية لهروب النهار ، كنت في تلك اللحظة أحاول الهروب من نفسي ، نعم الهروب من نفسي لخوفي من بكاء الريح لأنه يذكرني بعويل الثكالى في أخريات الليل ، هل صادفكم يا جماعة الخير زول ( طول بعرض ) يمتلك شوارب منتوفة تربط الجاموس يهرب من نفسه ؟ لا أتصور أن مثل هذا الشخص صادفكم في مسارب الحياة ، المهم في الموضوع إنني ذلك الشخص المخبول الذي يهرب كثيرا من نفسه ويحاول الاختباء بعيدا عن زلات النفس وأهوائها ، اسمعوني ، النفس إمارة بالسوء لذا ادعوكم جميعا ان نهرب من تبعات أنفسنا في رمضان ، فضلا لا اقصد الهروب من النفس الابتعاد عن أداء العبادات واكتساب الأجرة والمغفرة وانما الهروب من كل ما يعكر صفو الصيام خصوصا ان المشاهد اليومية في السودان تجعل أجعص جعيص يرتكب الحماقات ويلعن سنسفيل جدود جدود عتاولة العكننة الذين ( يسمون البدن )، طبعا هذه النوعية متوفرة بكثرة في أرض النيلين وعلى ( مقرن النيلين سوا يا حبيبي ) ، أسمعوني يا ناس وامسكوا أعصابكم ونحن في شهر الصوم ، ودعوني أسال والسؤال بلوشي لا يحمل نكهة ( غلاء الأسعار ) ، اذا كان صاحبكم عبد العال يهرب من نفسه ويقوم صوف من الهواجس لكي ينسى آلامه وأحزانه المركبة ، طيب ليه يهرب السودان من واقعه ؟ ايوه لماذا يهرب من واقعه ؟ ، قبل أن تنفلت أعصاب أحدكم ويجرح صيامه أقول وأمري إلى الله ، أن منطوق واقع السودان يقول أنه فيما مضى كان يطلق عليه ( سلة غذاء العالم العربي ) ، وهو طبعا يا جماعة الخير لقب يشبه تماما المرأة العزباء التي لم تدخل دنيا ، بمعنى ان هذا اللقب لم يتم تنفيذه على أرض الواقع ، فالعرب من الأزرق إلى الأزرق في زمان صحوة القومية العربية تغمدها الله بواسع رحمته ورضوانه ( الفاتحة على روحها ) آمييييييين كانوا يحلمون وما اكثر أحلامنا في جمهورية السودان ، لكن السودان بجلالة قدره خذلهم ولم يحقق أحلامهم المتعلقة بتأمين الغذاء وهرب من واقعه رغم أن 60 في المائة من مساحته قابلة للزراعة ، المهم مشاهد الهروب في السودان كثيرة ، لكن أسوأ أنواع الهروب أن الأسعار لدينا دائما تهرب إلى ( العلالي ) ، وأتصور ان هروب الأسعار إلى العلالي يأتي لأننا من هواة الارتقاء إلى الأعلى ، كلام صحيح أرجوكم لا تبحلقوا في السطور هكذا ، والخوف كل الخوف ان يأتي زمان غير هذا الزمان ( الأغبر ) ونجد أنفسنا في بلد يحمل لقب ( الهارب الكبير ) ، فاهربوا معي من أحزانكم وآلامكم المعتقة ، أهربوا من مشاهد القرف اليومي اهربوا ففي الهروب سبع فوائد . سبعة ينتفوا شنبك يا مبدول الصورة .