( أ ) رحل الزهد لدار الخلود، رحل فتحي خليل المعروف بعقيدة الثوابت، الإسلام والعدل والتواضع والهمة والنصرة. درسّنا الرَّاحل اللغة الانجليزية في المرحلة الوسطى من الستينات قبل إلتحاقه بجامعة الخرطوم كلية الآداب ثم القانون، كان من أوائل معتقلي الإتجاه الاسلامي عام 69 وظل بين السجن والجامعة إلى أن تخرج وجلس لامتحان المعادلة من السجن ونجح وهو في السجن واتجه منه مباشرةً لمكتب المرحوم الأستاذ محمد يوسف محمد متدرباً ثم استغل بمكتبه الخاص محامياً لم يقبض راتباً من الحكومة إلا عند ولايته للشمالية تحت الضغط التنظيمي والإلحاح الرئاسي ورحل أثناء ساعات العمل في يوم عطلة!! رحم الله زاهداً وعابداً وذاكراً وصاحب سيرة عطرة اتسمت بالجدية والعفة على مستوى اللسان واليد والقلب الكبير. (ب) حين يكون السياسي تابعاً .. يتجرّد تماماً من الوطنية ويبدو عارياً كما ولدته أمه غير الراضية عليه وكما ترعاه أمريكا لاستعماله لأغراض خاصة يلتزم فيها بدور الخادم ويكون مطواعاً وخفيفاً في إستقبال الإثارة. الاسبوع الماضي لوّحت أمريكا بخنصرها لقيادة قطاع الشمال للمجيء إلى هناك!! فلبوا نداء الأصبع بخفةٍ وهمةٍ وغبطة. لم يتسرب من هناك ماذا قالت أمريكا لياسر وعقار ومن رافقهم من العملاء الصغار فالعمالة لها رتب وتراتب أيضاً فهي تخرج من صلب خيانة الوطن ومن ترائب إحتقار التراب وتزدهر بالرعاية الإستعمارية المباشرة. حين يكون العملاء من اليسار المتربي على مفهوم «السيادة الوطنية» والمستند على مرجعية نظريات الثورة من كارل ماركس حتى غرامشي مروراً بلينين وباكونين وماوتسي تونغ وجيفارا وريجي ده بريه وعبد الخالق محجوب تصبح عمالة ذات نكهة مغايرة ومذاق خاص وذات هيئة سريالية لأن ثقافة «العملاء الجدد» قامت في الأصل على قاعدة مناهضة للرأسمالية وللأمبريالية اضيق حلقاتها، ولأمريكا نموذجها السياسي والاقتصادي. كيف يتلّقى الثوار تعليماتهم من الإستعمار والكومبرادورية وهم يدعون تمثيل الهامش والطبقات المسحوقة، ويبشّرون بالتغيير الاجتماعي وفق النظرية الثورية؟! قبّح الله هذه الوجوه الكوالح، ورحم فتحي خليل بقدر ما كان صافياً وواضحاً ونقياً.