ما زال جدل الدستور ما بين الرفض والقبول في مشهد السياسة السودانية بين الحكومة والمعارضة.. الحكومة التي شرعت في التحضير لإعداد دستور دائم في المرحلة المقبلة بعد أن أصبح دستور 2005م الانتقالي لا يلبي متطلبات المرحلة الجديدة خاصة وأنه دستور فصّل على الفترة الانتقالية لاتفاقية السلام العادل والتي أفضت إلى ما أفضت إليه من انفصال مما جعل تعديل الدستور ضرورة قومية ووطنية. والشاهد أن الدستور في تعريفه هو العقد الاجتماعي السياسي بين مكونات الأمة وهو الأساس الذي تقوم عليه الدولة وهو أساس الحكم وفيه السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية التي تحكم وتحفظ حقوق وواجبات المواطنين، وأيضاً يفصل فيه نوع الحكم مركزي- لا مركزي ونوع الاقتصاد حر أم موجه أو مختلط.. وكذلك قضايا الهوية والحريات وحقوق الإنسان ومصادر الشريعة.. وأهم شيء بطبيعة الحال أن يتفق عليه ويلتف حوله الناس.. والدستور لا يمكن أن يثمر أو ينال حظه من الرضا والنجاح والقبول إذا لم يحصل له إجماع من كافة القوى السياسية.. والتاريخ السوداني مليء بمحاولات إصدار الدساتير ولكن الشاهد أنها دائماً ما تخضع للتغير والإحلال والأجيال عقب تغير الأنظمة التي تحكم وتبدأ من حيث انتهى الدستور الأول. الدكتور محمد أحمد سالم البرلماني السابق تحدث لآخر لحظة وقال: إن الحديث عن رفض الدستور الدائم من قبل قوى المعارضة سابق لأوانه وغير موفق، لأن الدولة أعلنت عن عزمها لإدارة حوار مع كل القوى السياسية المعارضة والحليفة معها وكذلك منظمات المجتمع المدني والفئات وكافة القطاعات الثقافية والاجتماعية، ويقول سالم وبحسب علمي لم تكن لجنة قومية بعد وإنما أعلنت القيادة السياسية عن رغبتها في تكوين لجنة قومية من جميع القوى السياسية دون استثناء لمناقشة كافة القضايا، وأيضاً دون استثناء للخروج بمشروع دستور وطني قائم على أسس قوية يجمع عليها الكل دون استثناء حتى تخرج من هذا الجدل، وأشار سالم إلى أن الرئيس البشير قد تحدث في أكثر من مناسبة عن حرصة للقاء كل القوى السياسية في إعداد الدستور القادم، لذلك رفض القوى المعارضة المستبق لذلك طريقة غير صحيحة ومنطقية لشيء لم يحدث بعد وعليهم أن ينتظروا حتى يتم الإعداد والاختيار للجان واتخاذ ما هو ضروري من قرارات ومن ثم الحكم على المبادرة بالسلب أو الإيجاب. قوى المعارضة وبلسان رئيس الهيئة العامة لقوى الإجماع الوطني أعلنت في مؤتمر صحفي رفضها للمشاركة في إعداد الدستور ووصفته بالمعد سابقاً من قبل الحكومة، وأنها لن تأتي لتوقع عليه فقط. ومن جانبه أعلن حزب الأمة القومي مقاطعة اللقاء التفاكري حول الدستور الدائم وتمسكه برؤاه حول الدستور المتمثلة في المشاركة الجماعية والحوار والشفافية، وذلك عبر مرحلة انتقالية لإعادة بناء هياكل الدولة يستصحب هذه الفترة استفتاء شعبي ومؤتمر قومي دستوري. من جانبه أوضح البروفيسور ناصر السيد الأمين العام لجبهة الدستور الإسلامي ل«آخر لحظة» أن مسألة الاسم المتعلق بالدستور الإسلامي ترجع إلى أن السودان بلد إسلامي فيه حوالى 97.3%من المسلمين، بالتالي يستوجب ذلك تطبيق الشريعة الإسلامية، والدستور يعبر عن المجتمع والناس ونظامهم الاجتماعي، لهذا نريد دستوراً إسلامياً يطبق على أرض الواقع وليس حبراً على الأوراق وخاصة أن ما نتحدث عنه من دستور إسلامي يحمل ذات المكونات التي تحترم حقوق الإنسان واستقلال القضاء والسلطات الأخرى سوى كانت تنفيذية أو تشريعية. وفي ظل هذا التجاذب السياسي حول الدستور يظل الجدل هو سيد الموقف حتى ينجلي المشهد عن اتفاق ما بين الحكومة والقوى السياسية المعارضة حول الطريقة المثالية لإعداد الدستور المنتظر!