(يغني المغني و كل على هواه) مثل يتردد كثيرا .. ما يميزه .. أنه يعطي المتلقي حقا مطلقا لتفسير و تأويل ما يصل الى سمعه أو يقرأه .. و لما كان الأمر كذلك عن لي أن استخدم هذا الحق المشروع « الذي لا يستطيع أي مخلوق أن يغتصبه من المرء مهما بلغ جبروته و سلطانه » في تفسير و تأويل شعار احتفالات شرطة المرور باسبوع المرور العربي (10-15مايو 2012) .. و الذي كان نصه (الى متى .....؟ .. شكلا.. يبدو السؤال ناقصا اذ تلت كلمة متى نقاط سبقت علامة الاستفهام .. هنا تعقد الأمر قليلا .. اذ كيف يستطيع المرء تفسير سؤال ناقص؟ .. لم تدم حيرتنا طويلا .. اذ لاحظنا أن أحدى اللوحات الاعلانية للاحتفال التي ثبتت على السور الجنوبي لمبنى شرطة مرور ولاية الخرطوم تحت صورة لسيارتين ارتطتمتا وجها لوجه .. و بما أننا نستخدم حقا اصيلا في التفسير و التأويل بدا لنا الجزء الناقص من السؤال على النحو التالي: (هذه الفوضى) .. لكن .. ثمة امر اخر ناقص .. الى من تم توجيه السؤال؟ .. قد يبدو للمراقب الساذج لأول وهلة أن المقصود بالسؤال هما سائقي السيارتين الظاهرتين في الصورة .. استبعدنا هذا الاحتمال لأنه لا يعقل أن تحمل ادارة شرطة المرور كامل المسؤولية عن الفوضى التي تضرب اطنابها في الطرق لشخصين فقط من جملة مايزيد عن 1.200.000 سائق .. تشير السجلات الى أن عدد المركبات المسجلة بالبلاد يبلغ حوالي 1.200.000 مركبة .. نكاد نجزم بأن السؤال موجه لكل سائق مركبة بالبلاد .. بذلك يكون السؤال قد اكتمل .. « الى متى هذه الفوضى أيها السادة؟» و نستميح الانسات و السيدات اللائي يقدن سيارات عذرا في استخدام كلمة السادة و التي في ظننا أنه يمكن أن تشمل الذكور و الاناث معا و ان كنا غير متيقين من ذلك .. و أن يقبلن بلطف حقيقة أن لساني أعجمي في الأصل و أن اللغة العربية مثل بقية لغات العالم الأخرى هي لغة ثانية .. هذا من حيث الشكل .. أما من حيث المضمون تبدو لنا حيرة ادارة شرطة المرور ازاء هذه الفوضى العارمة التي تعم طرق العاصمة القومية و متى يمكن أن تتوقف و اضحة لا غموض فيها .. و هذا لا يقلل من الجهد الخارق الذي تبذله في تشغيل نظام المرور في ظروف بيئية خطيرة و قاتلة .. و يحمد لها طرح السؤال اذ لا بد لهذه الفوضى من أن تتوقف و بأسرع ما يمكن .. نأمل أن نساهم بما سنورده في بقية هذا المقال ما يبدد حيرة السائل و المسئول و أن نعين على استبصار الطريق السليم لمعالجة أمر المرور و المواصلات .. ان نظامي المرور و المواصلات يرتبطان ببعضهما ارتباطا و ثيقا .. و يتعلق شأنهما بأمرين : - البنية الأساسية للطرق - نظامي تشغيل المرور و المواصلات و كلاهما يحتوى على قدر من المشاكل قد يستصعب غير العارفين حلها .. مشاكل البنية الأساسيةتعتور البنية الأساسية للطرق بعاصمة البلاد القومية عدد من المشاكل لها تأثير واضح على نظامي المرور و المواصلات .. سنبين لاحقا تداعيات هذه المشاكل السلبية عليهما و أثرها على المرور و تكلفة المواصلات و تعريفة النقل العام .. يمكن تلخيص هذه المشاكل ما يلي: 1. ضيق الطرق و المعابر بين المدن الثلاث و مراكز التجمعات السكانية .. رغما عن التوسع الكبير في بناء الطرق و استحداث المعابر الا أن ذلك بالكاد يكفي لاستيعاب النمو الطبيعي لحجم المرور ناهيك عن معالجة مشاكل المرور التي كانت قائمة اصلا و استيعاب النمو المستقبلي .. كما أن هناك عوامل أخرى تزيد من حدة مشكلة ضيق الطرق بعضها من صنع الطبيعة و بعضها من صنع البشر .. تتمثل هذه العوامل في مايلي: أ . تراكم الأتربة بفعل الرياح و مخلفات البناء على جنبات الطرق التي تؤدي الى تغطية أطراف طبقة الاسلفت مؤدية بذلك الى تضييق مجاري الطرق الرئيسية .. تتبع وحدة نظافة الطرق وسيلة عقيمة قليلة الفاعلية عالية التكاليف و تستنزف الموارد لمعالجة هذه المشكلة .. و رغما عن الجهد المضني الذي يبذل تظل المشكلة قائمة و متجددة .. ب . نظام توقف و انتظار المركبات .. يلاحظ المراقب أن الاسلوب الشائع للتوقف و الانتظار هو ما يعرف بالتوقف المائل (Oblique Parking) بدلا عن الانتظار الطولي (Parallel Parking) .. ان نظام الانتظار المائل يلتهم جزءا من المجرى الرئيسي للطريق و يؤدي الى تضييق مسار المركبات المتحركة .. و يزيد من حدة هذه المشكة الانتظار المزدوج (Double Parking) .. تزداد حدة هذه المشاكل امام محلات الوجبات السريعة وفي اوقات الصلاة امام بعض دور العبادة .. ت . توقف و انتظار المركبات في المجرى الرئيسي للطريق لتفريغ الركاب و في حالة الاعطال و امام المحلات التجارية ..الخ ث . انتشار الباعة و مقاهى الطريق التي ابتدعت في السنوات القليلة الماضية في اجزاء من طرق الاسفلت في عدد كبير من الطرق الرئيسية في مراكز الاعمال «Business Districts» و حول مواقف البصات الرئيسية و الفرعية«Bus Terminals» . ج . افتقار الطرق لخطوط عبور المشاة و الذي يغري المشاة بسوء استخدام الطريق ظنا من غالبيتهم أن خط عبور المشاة يعطيهم الاولوية في استخدام الطريق و عبوره ..ان ضيق الطرق و المعابر يؤدي الى زيادة زمن رحلات كافة المركبات من نقطة انطلاقها الى نقطة توقفها .. مما يعد اهدارا للوقت .. كما أنه يؤدي الى تخفيض الطاقة الناقلة الفعلية لمركبات النقل العام .. وكفاءتها الانتاجية و الذي ينعكس على تكلفة التشعيل و تعريفة المواصلات .. ü خبير إقتصادي