ليلة الجمعة الماضية كان طولها ألف عام للرئيس سلفاكير.. أحد كبار حراسه حاول التسلل إلى غرفة نوم الرئيس.. بعد أن أصبح الكولنيل «رصاص شول» قاب قوسين أو أدنى من هدفه لمحه حارس آخر يمثل خط الدفاع النهائي.. دارت معركة بين الحراس أسفرت عن مقتل الرجل الذي نوى اغتيال الرئيس.. على إثر المحاولة الانقلابية تم إخلاء الرئيس سلفاكير وبعض أفراد أسرته إلى مكان آمن ونفذت السلطات حملة اعتقالات شملت عدداً كبيراً من كبار ضباط الجيش. الانقلاب على سلفاكير مرتبط بالمصالحة الشجاعة التي وقعها مع الخرطوم.. متطرفو الجنوب لن يسمحوا لرئيسهم بأن يقدم تنازلات في عدد من الملفات من بينها «أبيي» ومن بعدها رفاقهم السابقين في قطاع الشمال.. الرئيس سلفاكير مثل السادات كان يمكن أن يدفع روحه ثمناً لمواقفه السياسية الميالة للتسويات. سفير دولة الجنوب بالخرطوم ومن بعده وزير الإعلام بحكومة الجنوب قدما مبادرة تجعل من الرئيس سلفاكير وسيطاً بين الحكومة ومواطنيها المتمردين تحت لواء قطاع الشمال.. رغم أن المبادرة في مرحلة اختبار النوايا.. إلا أن الناطق الرسمي باسم الحزب الحاكم رفضها جملة وتفصيلاً.. الدكتور بدرالدين أحمد إبراهيم أكد أن حزبه لا يعترف سياسياً ولا تنظيمياً ولا عسكرياً بقطاع الشمال.. استناداً على اللاءات الثلاث يرفض حزب بدرالدين كافة الوساطات الداخلية والخارجية مع قطاع الشمال.. الرفض بالطبع يشمل وساطة الرئيس سلفاكير. موقف الدكتور بدرالدين يتجاوز موقف الحكومة التي اشترطت التفاوض بعد فك الارتباط بين القطاع والجيش الشعبي.. هذا الارتباط تم فضه بصورة عملية حينما يعلن سلفاكير استعداده للتوسط بين الجانبين.. إضافة إلى الموقف العملي وزير الإعلام أكد من راديو أم درمان أن لا ارتباط بين قطاع الشمال والجيش الشعبي.. الوزير « برنابا» أكد أن ما يربط الطرفين ماضي الذكريات و الاحترام المتبادل. يخطيء الحزب الحاكم إن ظن أن التفاوض المفضي للسلام يشترط أن يعترف الخصمان ببعضهما سياسياً وتنظيمياً وعسكرياً.. عندما يحدث مثل هذا الاعتراف المتبادل تصبح العلاقة في حكم الصداقة التي لا تحتاج إلى وسطاء.. بل سفراء يحملون وجهات النظر. في تقديري أن على الحكومة أن تسرع وتتلقف مبادرة سلفاكير للتوسط.. بداية هذا الدور يجعل سلفاكير في الحياد الإيجابي بين الطرفين.. كذلك لا أحد ينكر أن حكومة الجنوب تملك أكثر من بطاقة ضغط على قطاع الشمال.. تعنت قادة القطاع ورفضهم لمبادرة سلفاكير ستجعلهم في وضع الضيف غير المرحب به كما حدث للدكتور خليل إبراهيم عشية أن سألته إنجمينا عن وثائق الدخول وردته على أعقابه.. غير أن الأهم من ذلك أن الخرطوم بقبولها توسط سلفاكير ترفع عنه حرجاً كبيراً مع متطرفي الحركة الشعبية.. قيادات كبيرة في الجنوب ترى في التخلص المهين من قيادات قطاع الشمال نكران جميل لرجال حاربوا في صف واحد مع الجيش الشعبي حتى حقق أحلامه.. حفظ ماء وجه الرئيس سلفاكير وتوطيد أركان حكمه يجب أن يكون هم حكومة الخرطوم.. الجنرال الذي يعتمر قبعة رعاة البقر في أمريكا الشمالية كان دائماً رجلاً في غاية البراغماتية.. رجلٌ بهذه المواصفات تحتاجه الخرطوم في مقبل الأيام.