أنا الآن داخل القاعة الماهلة الفخيمة و الوسيمة.. وقبل الدخول إلى القاعة.. وبمجرد هبوطي من الحافلة.. حافلة الركاب العامة.. أنظر في دهشة وعجب.. قد يصل مرحلة الإنزعاج والغضب.. أنظر إلى الساحة المحتشدة بالفاره من السيارات.. أسأل نفسي في سذاجة مشوبة بغشامة.. وفي سري طبعاً.. يا ربي هل أخطأت العنوان والمكان.. وهل صحيح أنا في قاعة المؤتمرات.. أم في ساحة تعج بالسيارات.. أم أنا في «الكرين»؟ حيث يخوض المترفون مع الباعة جولات من التفاوض لشراء عربة ذات دفع رباعي.. أم رشيقة بيضاء مبرومة الحشا.. وثيرة المقاعد سهلة قيادها.. وأنا في لجة الإرباك والإرتباك ينادي عليّ أحد «الإخوان» يا شيخ «مؤمن» ما لي أراك محتاراً.. هيا.. استعجل المؤتمر على وشك أن يبدأ.. أفيق في صحو على ذاك النداء.. وانتهب الخطى متيمماً القاعة.. التي أراها ممتلئة كراسيها التي تئن من ثقل الأجساد.. طبعاً لن أكون في الصفوف الأمامية وكيف لمثلي أن يأتي إلى المؤتمر وأن يتصدر القاعة أو أن يكون في صفوفها الأمامية وهو يصل إليها على بصات الولاية.. أو حافلات أنهكها التوقف والمسير.. وكمساري قلّ أن «يرجع الباقي» إلا بعد مناشدة ومناكفة.. المهم جلست على الصفوف الخلفية.. ويبدأ المؤتمر.. يقف أحد الإخوان وبعد تلاوة آيات من الذكر الحكيم.. منادياً على أحد نجوم الحركة.. وما أن ينهض هذا متوجهاً إلى المنصة والإمساك بالمايك.. يجتاح القاعة زلزال لو قاسه «ريختر» لفاق الثماني درجات.. ترتج جدران القاعة ويأتي الصدى هائلاً وراعداً.. هي لله.. هي لله.. لا للسلطة ولا للجاه.. ويتواصل رزيم الرعد.. وينهض أحدهم ليواصل.. لا لدنيا قد عملنا.. نحن للدين فداء.. ورويداً رويداً يهدأ الهتاف حتى يتوقف تماماً ليبدأ «الأخ» الحديث.. والحديث لا يخرج من مجاهدات الحركة.. وتلال الابتلاءات.. وكيف أن الحركة قد أخرجت الناس من ظلام الطائفية والعلمانية.. وبفضله سبحانه وتعالى.. ها هو الدين يمشي بين الناس بل يكاد يتنفسه الناس شهيقاً وزفيراً.. ويتوالى المتحدثون.. وكل أحاديثهم صورة بالكربون من حديث الأخ السابق وذاك اللاحق.. وأرفع يدي وللمرة الألف طالباً الحديث.. فتتجاهلني المنصة عمداً.. لا استسلسم ولا أيأس.. تظل يدي مرفوعة مثل «راية» حكم المباراة التي لا تنزل أبداً عن خروج الكرة من خطوط الملعب.. وأخيراً وتحت ضغط الحاحي.. وإصراري.. وعنادي.. و«لداحتي» تأذن لي المنصة- وعلى مضض- وهنا يقول ذاك المسؤول عن فرص الحديث.. اتفضل يا شيخ مؤمن لكن بالله أوجز.. هنا أنهض من الكرسي منتصباً كصاري المركب.. بل كفنار الميناء.. وفي خطوات واثقة أتقدم في ثبات وقوة نحو المنصة.. أمسك الميكرفون بقوة.. لأقول بعد السلام والصلاة على خير الأنام.. يا أحباب.. بما أن الأمر أمر دين.. وبما أن هذا المؤتمر مؤتمر حركة إسلامية وبما أننا الآن تحت بيارق طاهرة مطهرة.. تحمل رسم الإسلام العادل والرحيم.. دعونا.. نتحدث بصراحة.. مستوحين فقط رقابة ضمائرنا وقبل ضمائرنا مستوحين رقابة الخالق.. اسألكم بحق فالق الحب والنوى.. اسألكم بالذي رفع السماء بلا عمد.. هل نحن حقاً نعيش في ظلال دولة إسلامية رعيتها أمام الراعي.. سواسية كأسنان المشط؟.. هل حقاً نحن نعيش والحكومة والتي هي إسلامية كانت تسمح لأي حركة أو حزب أو تنظيم بمثل الذي سمحت لنا به؟.. مهلاً لا تغضبوا أنا لن أحدثكم من فراغ أو اجتهاد.. أعود بكم إلى التأصيل الذي لا يغيب عنكم لحظة أو لمحة.. أعيدكم إلى أيام يثرب تلك التي أشرق ضياؤها وعم كل مكان.. أعيدكم إلى الذين كانوا يحيون ويعيشون ويموتون وفق الإسلام.. أعود بكم إلى عهد الخليفة الراشد العادل عمر بن الخطاب.. ويهودي يشكو الإمام باب العلم علي الكرار كرم الله وجهه.. يخاطب أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه اليهودي.. يأمره بأن يجلس فيجلس اليهودي.. ثم ينادي إلى علي قائلاً.. أجلس يا أبا الحسن بجانب اليهودي.. هنا يتسلل الغضب بل يسطع الغضب على وجه علي رضي الله عنه.. يسأل سيدنا عمر علياً لِم الغضب.. فقد ظن أمير المؤمنين أن علياً قد غضب لجلوسه كتفاً بكتف مع اليهودي.. هنا قال علي كرم الله وجهه.. يا أمير المؤمنين لقد ناديت اليهودي باسمه مجرداً وأنا قد كنيتني بأبي الحسن.. وهنا أرى ميزان العدالة قد إختل وقبل سماع حديثنا- وتسقط دمعات من عيون سيدنا عمر- وتبدأ المحاكمة.. التي لا يهمنا فيها شيء غير ذاك النور الذي سطع حتى أعشى العيون في تلك الأيام المجيدة.. وقبل أن أواصل.. الاحظ تململاً وهمهمة.. لا أعيرها التفاتاً وأواصل حديثي الأحد بإذن الله..