ليس من رأى كمن سمع .. هذا المقال إذن هو حصيلة تجربة عاشها كاتبه ورأى بأم عينه أولى خطوات المعاناة التي يقابلها حجيج الفُرادى وهم فئة لمن لايدري غير منتمية لقطاعات البعثة الرسمية بشقيها(الولايات والوكالات).. المعاناة التي تتجاوز رهق التسفار والإنتقال من بلد إلى بلد إلى رهق الضمير وإهدار الكرامة وذُل السؤال .. الفُرادى إذن مسألة أمن قومي .. أو ليس ما يصيب جماعة مقدرة من المواطنين الشرفاء يعد مساساً بالأمن النفسي لهم ولأسرهم الممتدة داخل وخارج البلاد .. خذ هذه الأمثلة الصادمة.. إمرأة طاعنة في السن رغم ما يبدو عليها من تماسك جاءت محمولة على جناح الأشواق إلى البقاع الطاهرة قالت لي أنها دفعت لوكالة ما أكثر من 15 ألف جنيهاً لتجد ما وعدتها به الوكالة من خدمات راقية محض خيال، وسراب خداع ولتجد نفسها في وضع لا تحسد عليه فليس معها مال كافي تدفع منه مبلغ 1029 ريال لمكتب الوكلاء الموحد في المملكة هو قيمة الترحيل من جدة إلى مكة ومنها إلى المشاعر المقدسة ثم إلى المدينةالمنورة إذ لا يغطي هذا المبلغ نفقات السكن والإعاشة التي تحتاج إلى ثلاثة أضعافه وهو أمر عزيز المنال سيما لمن أراق ماء ماله على رهاب الوعود الزائفة..!!وإمرأة أخرى يكسوها الحياء إحراماً أتت لتفجع بأن ما دفعته وهو مبلغ 30 ألف جنيهاً لوكالة ما لا يغطي أكثر من نقطة وصولها للمطار إذ يتوجب عليها أن تدفع رسوم الترحيل لمكتب الوكلاء الموحد! ثم عليها أن تدفع للسكن والإعاشة.. ورغم أنها احتاطت لهذا كله إلا أنها فقدت حقيبتها وأضحت في ظل الله ترجو غوثه وقد كان.. !! ورجل آخر أدرك وهو على أعتاب صالة الاستقبال أنه لا يملك رقماً غير هاتف ابن أخيه الذي هبّ لنجدته مسرعاً فوقّاه ذُل السؤال وثقل الانتظار.. هذه الأمثلة هي الأقل حدوثاً رغم أنها الأكثر تأثيراً..فالشكل الغالب لحجيج الفُرادى يمثل فئات دفعت مبالغ معقولةً مقابل تأشيرة حج بدون خدمات.. وهي فئات واعية بحجم المخاطر التي تنتظرها لكنها تعوّل على مدد ما من قريب مقيم في المملكة يتكفل بدفع رسوم مكتب الوكلاء الموحد، ويتكفل كذلك بمهمة الإيواء والإعاشة.. نفس هذا الدور يمكن أن يقوم به عضو بعثة في إحدى القطاعات متجاوزاً للمحاذير الإجرائية والأخلاقية..أو حتى أمير فوج ذو صلة وجرأة يستطيع أن يفرد للفُرادى مساحة هنا أو هناك وإن كان على حساب راحة الحاج الرسمي.. الفُرادى إذن مسألة حرجة.. وحرجها ليس لازماً بل متعدياً.. فالحاج عبره يكون مثقلاً بالحرج مجروح الكبرياء وموقعه في حركة الإعراب مستثنى منصوب!! ولهذا تجد من أستغفل منهم في غاية الأسى والأسف ينثال دفق اللعنات منه على جميع الاتجاهات سيما على من سقوه هذا الكأس المرير ولسان حاله يقول(لا تسقني كأس الحياة بذلةٍ بل اسقني بالعز كأس الحنظل). ولأن الحج في أعلى مراتبه يمثل رحلة إرتقاء إلى الله فقد أفلحت وحدتا إستقبال الحجيج السوداني بالمطار بقيادة عرمان حسين وبالميناء بقيادة اللواء تكنة في إستشعار هذه الروح والإنتقال من ضيق الإجراءات إلى أفق المعالجات وقد كنت شاهداً على أكثر من موقف تجلت فيه حكمة البعثة على الأقل في هذين المنفذين وتمت المعالجة بصورة مرضية وجابرة لخاطر مكسور حملته الحاجة إلى إتخاذ هذا المسلك الملتوي لغاية رفيعة.. وهي الحج إلى بيت الله وبيت الناس مثابةً وأمناً. ولذلك أرجو من أعلى المستويات بالدولة أن تفتح تحقيقاً دقيقاً يستقصي أبعاد المسألة ويضعها على مجهر الإستكشاف .. لن يقف رجائي عند هذا الحدَّ .. إذ آمل أن يحاسب كل من تثبت إدانته كائناً من كان .. ورغم أنني أدرك حجم التعقيد المحيط بهذا الموضوع إلا أني ألتمس حلولاً ناجعة تستأصل شأفته و لا تبقي له أثراً .. ولكني أخشى على من يحاول أن يجد نفسه خارج إطار اللعبة فيكفي أن الوزير خليل أقسم بأنه لن يبقى يوماً إذا عادت أزمة الفُرادى في الموسم القادم فجاء الفُرادى حيث غاب هو من المشهد برمته..!!