وما زلت أتصفح قاموس الإنقاذ.. وما زلت أقلب ورق دفترها الصقيل وحروفه المزركشة الوسيمة الفخيمة.. رغم التقشف.. المزعوم.. والآن أنا في الفصل الثالث وتحديداً في صفحة ألف.. ولا دهشة ولا عجب.. فقد جاءت الإنقاذ وفي صندوق مفرداتها ما لم نعرفه في فضائنا السياسي، ولا خطر على قلب بشر.. وها هو عنوان وراية ترفعها الإنقاذ عند كل نازلة عند كل مشكلة عند كل خطر.. فقد أمطرنا الأحبة في الإنقاذ بكلمة حبيبة إلى نفوسهم.. بل هي شماعة متينة جاهزة وصلبة.. هي الابتلاءات.. ونحدثكم اليوم عن الابتلاءات.. تلك التي لم تغب عن أفواههم ولا أقلامهم ما أشرقت شمس وما أليل ليل.. ونقول.. نعم نحن نعرف الابتلاءات.. نعلم إنها بيد الخالق القادر الكبير.. نعرف أنها قدراً مسطوراً لا ينكره إلا جاهل أو جاحد.. أو كافر، فقد وردت في كتاب الله المطهر مصحفه الشريف وهو القائل: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ» الآية 155 «البقرة».. ونقول صدق الله العظيم.. ونقول أيضاً للأحبة في الإنقاذ.. إن من الابتلاءات من كان لكم فيها نصيب.. ونقول أيضاً إن بعضكم قد ابتلى بالمرض.. وآخرون واجهوا نقصاً من الأنفس وهو الموت.. أما غير ذلك فإن كل الابتلاءات التي تحدثوننا عنها كلما جابه الوطن نقص من الأموال أو الثمرات كان يجابهها كل الشعب السوداني إلا أنتم.. ودلوني على إنقاذي واحد نافذ كبير وخطير قد واجه طيلة عمركم-أعني عمر حكومتكم التي بلغ عمرها ربع قرن من الزمان ينقص قليلاً- دلوني على من واجه نقصاً في الأموال أو الثمرات.. أنا لا أعني الإنقاذيين الفقراء من ناس «قريعتي راحت» أعني اولئك الذين لم تطأ أقدامهم مستشفين عند المرض.. مستشفى الخرطوم.. أو أم درمان أو مستشفى بحري.. الابتلاء بالمدافسة والمكابسة عند المرض لنا نحن الفقراء أو الحرافيش.. أما أنتم يا أحبة تدافعون وتدرأون أو تهربون طلباً للشفاء في الأردن.. وهارلي ستريت بلندن.. أو حتى عبور الاطلنطي للاستشفاء في بلاد اليانكي.. حيث الشيطان الأكبر.. هل جابهتم يوماً ابتلاء نقص الثمرات.. كيف ذلك.. وقد صارت ثمراتكم تأتي من خارج أسوار الوطن.. من بيروت وأمريكا اللاتينية.. والكاريبي.. في أقفاص أو كراتين من الدهشة والمجال والمحال.. وفاكهة منتقاة بعناية.. وكأنها ومن فرط روعتها قد هبطت من الجنة.. وابتلاء آخر.. تتحدثون عنه وذلك عندما ينعم الله بخريف هائل.. وتجتاح السيول البيوت.. تتهدم المنازل وتنفق السوائم.. بل يموت الناس.. هنا تقول الحكومة إنه ابتلاء وهو ابتلاء لنا نحن.. وخير وبركة لساكني القصور والضياع.. لأن الأمطار ووابلها يزيد القلاع الأسمنتية.. منعة وقوة وصلابة.. ونذهب الآن إلى الفصل الأخير في مجلد قاموس الإنقاذ الأول.. لنجد أن عنواناً بارزاً يتصدر هذا الفصل.. والعنوان هو تزكية المجتمع.. ونحدثكم عن تزكية المجتمع.. ونقول.. إنه عنوان استفزازي حتى آخر حرف فيه.. هجمت به الإنقاذ على المجتمع السوداني النبيل الطاهر والوسيم والنظيف، رفعته الإنقاذ وكأنها قد وجدت الوطن ماخوراً ماجناً متهتكاً.. منحلاً تسري فيه الرذيلة ويجري فيه الفساد جريان النيل.. وها نحن وبعد ثلاث وعشرين سنة وتزيد نقوم بجرد ثمرات ذاك الشعار.. والذي هو تزكية المجتمع.. نجد أن المخدرات طالت حتى الفتيات.. نجد أن المضبوط من الخمور كل يوم.. كل يوم.. يمكن أن يكون بحيرة لا تقل اتساعاً وعمقاً عن بحيرة فكتوريا، وأن دار المايقوما قد باتت مشرعة الأبواب.. أو هي بلا أبواب لتستقبل كل يوم.. أي طارق.. أي زائر.. ولكن مجرداً من أي هوية أو بطاقة تعريفية.. وانتهت الحكاية ومع السلامة..