نعود مرة أخرى والعود أحمد، وكما يقولون. نعود للكتابة عن ولاية الخرطوم عاصمة السودان التي كانت مثلثة «جغرافياً» في وقت مضى فجار عليها الزمان بامتداد رقعها السكنية مع ربطها بالكباري أو « الجسور» كما يحلو «لآل الفلهمة » تسميتها.. لينجم عن ذلك تشييد كثير من المباني بفراغات مثلث العاصمة الخارجي القديم « ليتغير شكلها » ونترك لك عزيزي القارئي تسميتها بصورتها الجديدة. مربعة - مخمسة - مسدسة. وهلمجرا.. واختصاراً« سميها ما شئت» وقطع شك فقد صاحبت ذلك التغيير الشكلي حضارة في كل شيء. في الشوارع والإنارة والمواصلات والتعليم والصحة... الخ.. إذاً فلنقف عند الصحة لنستريح قليلا ونسأل أنفسنا « وبتجرد » هل تطورت الصحة العامة بالعاصمة بحسابات ذلك الزخم الذي طرأ على المناحي الأخرى. وبما أن السؤال كبير فقد تصعب الإجابة عليه.. إذاً فلنقسمه على هيئة أجزاء ونختار منها جزء الفضلات الآدمية أولاً ثم مياه الحمامات والغسيل ثانياً.. فالشق الأول كان يعالج بحفر «الأدبخانات» البلدية والتي ما زال جزء كبير من البلاد يستعملها حتى الآن رغم ما لها من «مضار نسبية »،وعلى فكرة: كلمة أدبخانة هي جملة من كلمتين هما أدب وخانة أي «بيت الأدب» وأظنها لازمتنا من العهد التركي.. شانها شأن إجزخانة و كرخانة وهلمجرا.. غير متناسين لأدبخانات الجرادل والتي بدأت منذ عهد الاستعمار الإنجليزي المصري وحتى الستينات.. وقد ألقيت في العهد الوطني لما لها من علاقة بهدم كرامة الإنسان الذي يعمل على حملها بعربات الصحة إلى خارج المدن ثم طمرها داخل الأرض.. أما الشق الثاني من السؤال فهو مياه الغسيل والحمامات والتي ما زال جزء كبير من الناس يرشونها بالشوارع خاصة في حالة عدم وجود «السايفونات » والتي أسهمت كثيراً في اختفاء الظاهرة «2» وكتنظيم عالمي فقد ظهرت شبكة الصرف الصحي بكبرى المدن العالمية.. وهي عبارة عن شبكة مواسير أرضية «مصنعة خصيصاً» لسحب الفضلات وكل المياه الآسنة بأنواعها.. حيث يبدأ تحريكها من المنازل أو أماكن العمل « بالانسياب الميلاني » ثم تجمع تحت الشوارع الكبيرة لتنزل في بيارات كالتي تسمى عندنا « بالمترة » لتساعد في خلطها مع رفعها بطلمبات كهربائية لتصل لأحواض كبيرة لتفرز منها الشوائب وتصفى لتصبح نوعين.. فالمواد تجفف لتستخدم كسماد للزراعة أما المياه فتجمع خارج المدن في أحواض كبيرة وتشرف عليها عمالة متخصصة «لتطهيرها» ثم تروى بها المزارع كما كان يحدث عندنا في الحزام الأخضر سابقاً، أو تربى بها الأسماك كما في « الهند مثلاً » أوبعض الدول التي تعاني من عدم توفر المياه العذبة فتقوم بتطهيرها « مرات متعددة » حتى تصبح صالحة للشرب للانسان والحيوان معاً .. هناك سؤال يفرض نفسه وهو: أين نحن الآن كمقارنة «من هذا الصرف الصحي العالمي» الذي سردناه فأقول بكل الصدق والوضوح إن الإجابة ستكون غير مشرفة سياحياً.. لأنها دون طموحات الناس والسبب هو أن مشروع مجاري مدينة الخرطوم كان قد تم إنشاؤها في عهد الرئيس السابق عبود بالستينات،وظل يعمل طوال هذه المدة وباستمرار.. وطبعاً وقتها المدينة كانت صغيرة علماً بأنها الآن تصاعدت لأضعاف مضاعفة وبالرغم من التوسعات والإصلاحات التي تتم من وقت لأخر، فإن حال الطفوحات والكسور ظاهر مع الأسف للعالي والداني.. ثانياً: بما أنني كنت مهندساً لورش مجاري الخرطوم ولفترة ليست بالقصيرة فأقولها صادقاً. إن العاملين بالمشروع بدءاً من الإدارة وحتى أصغر العمالة «يكاد يحفرون بأظافرهم» في بعض أعمال الإصلاحات والورديات بسبب شح الإمكانيات المعروفة للكل، والتي يجب أن لا تنطبق على مثل هذا المشروع الحيوي المرتبط بصحة الناس وحياتهم.. ثالثاً:اعتقد أن هذا سيكون أهم بنود مقالتنا.. فبعد أن أزيلت أشجار الحزام الأخضر والتي كانت تسقى بمياه الصرف الصحي الخرطومية حولت تلك المياه لأحواض كبيرة بالعراء لمنطقة جنوبالخرطوم، وبطول المدة اسودّ لونها وتوالد البعوض وأصبحت تنبعث منها الروائح الكريهة.. وحدثني أحد المتضررين أن مرضى الملاريا والتايفويد انتشرت هناك بصورة مخيفة بسبب المياه الاسنة أما منطقة الخرطوم بحري «فلا تعليق لنا» بعد أن انفجرت الترعة التي تحمل مياه المجاري حيث دخلت البيوت ونفقت الابقار وحمل دجاج المزارع الميت باللودر وصارت المنطقة تشاهد وكأنها سابحة في بركة ماء كبيرة مما حدا بأحد راكبي البصات السفرية المتجهة إلى شندي أن يسأل سائق البص: انت يا ولدي البحر دا الجابو هنا شنو.. أما منطقة أمدرمان فلديها الفرصة لتدبر حالها وتستفيد من ما حدث قبل ان يقال لها « فات الأوان » وأخيراً أقول لقاطني ولاية الخرطوم: بما أن الشكوى لغير الله مذلة وحتى لا ندع ولايتنا تموج في محنة مياه اثنه فما علينا إلا ان نتوكل على الله أولاًَ. ثم نرفع مظلمتنا هذه سوياً إلى أخينا السيد الدكتور/ ود الخضر. والي ولايتنا الهمام والذي كلفناه بالجلوس على مقعد رئاسة الولاية الساخن « لثقتنا الكبيرة فيه مقترحين عليه عمل «معامل تطهير لتلك المياه الاسنه مقدماً» قبل عرض الأراضي الزراعية للمستثمرين الأجانب بالخرطوم.. وبذلك نكون قد ربحنا الجمل والجمال وأنا لمنتظرون فما رأيكم دام فضلكم. مع سلامنا وحبنا للجميع في البداية والختام. مهندس-الحلة الجديدة بالخرطوم