**هدفٌ في الشباك... وألفُ جرحٍ في القلب** **العمود الحُر عبدالعزيز المازري** **الحقيقة... كرة القدم تجرّنا جرّاً، رغم النزف والخذلان ووجع الوطن.** نحاول أن نهرب... فلا نهرب. نكتب لعلّ الحرف يبلل عطش القلوب... فلا يرتوي. لكننا — شئنا أم أبينا — نعود للهلال، وللمريخ، ولمنتخبنا... كمن يعود إلى جرحه القديم يربّت عليه بدلًا من أن يداويه. أحياناً يقال إننا لا نشعر بما يجري... وإننا جعلنا الكرة ترفيهاً في زمن الدم والدمار. هذا قول باطل... نكتب ونحن نحمل وطناً مثخناً بالجراح، وحياة مكسورة، وقلوباً تائهة بين النزوح والحرمان. نكتب لأن الكتابة صراخ بلا صوت... ولأن الصمت خيانة للوجع. نعم... الإنسان سُمّي إنساناً لأنه ينسى، لكننا — يا سادتي — لم ننسَ. الوطن جرح مفتوح... وداخل كل واحد منا **أم درمان** صغيرة، مدينة لا تُنسى... لا تُباع... ولا تُشترى. وهنا — ودون استئذان — تتسلل الأغنية لتقول بصدقٍ موجوع: **هل يجوز والغربة حارة... بالخطاب تبخل عليّ؟** يا لها من عبارة... كأنها كتبت على جبين كل مغتربٍ سوداني، تُذكرنا بلحظة وداعٍ حارقة: لما آخر مرة شُفتك قبل ما أودّع وأغادر كنت حاسس إني خايف... إني متردد وحاير داير أتصبّر أمامك... داير أضحك وما ني قادر بس دموعك لما فاضت ضيّعت صبري الشوية هي دموع الأهل... هي حرقة الفراق... هي الرسائل التي لا تصل: **وين رسائلك؟ وين كتاباتك؟** ثم نعود إلى أم درمان... العرضة... العباسية... الموردة... حي العرب... المسالمة... الهاشماب... ودنوباوي... زريبة الحطب... التاج... شارع الأربعين... ذلك الثرى الذي يشبه دفء الأمهات ورائحة المطر الأولى. مدينة أنجبت الأفذاذ، وغذت فينا الطيبة والنجدة والمروءة. مدينة إذا ذكرتها نزل الدمع قبل الكلمة... ونسأل — بوجع طفل — **متى تعود أم درمان؟** ولأنها **العاصمة الأنثى**... نترك للشاعر سيف الدين الدسوقي أن ينطق بما في قلوبنا: ورجعتُ أُغَرِّدُ بالأفياءِ بكل مكان وركعتُ أُقَبِّلُ أم درمان هذه العاصمة الأنثى... أهواها مذ كنتُ غراماً في عيني أمي وأبي كلماتٌ تشبه سجدة شكرٍ على تراب المدينة... ترابٍ لا يُستبدل. ومع ذلك... نلوذ بكرتنا، بدغدغة المناكفات بين الهلال والمريخ، وبمنتخبٍ نحمله في قلوبنا لا في الجداول والإحصاءات. نبحث في المستطيل الأخضر عن حبة سكر تُخفف مرارة الواقع. أمس — ونحن نشاهد منتخبنا أمام غينيا الاستوائية — شعرت أن اللاعبين يجمعون جراحهم قبل أن يلمّوا تمريراتهم. كيف نُحاسب من لا يعرف إن كان له بيت يعود إليه أم لا؟ كيف نُشدّد على من ترك خلفه أهلاً وذكريات وربما وطناً بكامله؟ لكن — وبرغم الوجع — **منتخبنا وضع أول ثلاث نقاط... وسجّل هدفاً ليبقى في التاريخ.** هدف قال: ما زلنا هنا... ما زالت أرواحنا تركض رغم أن الأقدام متعبة. فرحنا... نعم فرحنا. تابعنا **الدوري الموريتاني أولاً... ثم الرواندي بعده**، نبحث عن نافذةٍ صغيرة يدخل منها الأمل، ولو كان الأمل كرة تتدحرج على عشبٍ باهت. فليعذرنا القارئ... إن كتبت حروفنا عرجاء تتوكأ على عصا الحرية والوجع. لسنا كما كنا... ولن نكون كما كنا. لكننا — والله — نحب هذا الوطن حدّ الألم. نؤمن أن الرياضة ليست لعباً فقط... هي قيم... هي تسامح... هي وطنٌ يتعافى ببطء. وسيعود السودان — بإذن الله — معافى... وسيعود الضحك إلى أم درمان... وستعود الأغاني تسبق المباريات كما كانت... **يا زمن الأفراح الوردية.** **كلمات حُرة** * لا تعتبوا علينا... فالكاتب أحياناً يبكي وهو يكتب. * لاعبونا بشر... فلا تحمّلوهم فوق طاقتهم، فهم أبناء هذا الوجع قبل أن يكونوا فرسان الملعب. * الوطن أكبر من كرة... لكنه أحياناً لا يبتسم إلا بها. **كلمة حرة أخيرة** **اللهم احفظ سوداننا... واجمع شتات قلوبنا... وردّ إلينا أم درمان كما كانت: أمّاً، وداراً، ووطنًا داخل الوطن.** **ثم تهمس أم درمان — كأنها تختم العمود بنفسها — قائلة: أنا أمدرمان... مضى أمسي بنحسي وغداً — وفتاي — أحطم قيد حبسي وأخرج للملأ في ثوب عرسي وأبسم بعد ما كان طال عبسي وأهمس والفضاء — يا ليل — همسي وأهتف والورى — يا ليل — وحسي فيا سودان يسمو... والنفوسُ هانت