تتدافع القوى والكيانات السودانيِة لرسم نقاط وأشكال توصف وتحدد شكل الدولة منذ استقلالها، وحينها كان التدافع رحيماً، ما بين الطائفية التقليدية والأفندية، وبين المثقفين فيما بينهم وجدل الاهتداء بالنسخة البريطانية أم المصرية، ابوروف والموردة والهاشماب، والغابة والصحراء تزداد حدته مع تحالف الهاربين، واليوم تخرج القوى والكيانات السودانية أفكار ورؤى القوميات والإثنيات التي عالجها الأوائل بمنتديات المثقفين في الموردة والهاشماب وأب روف وغيرها، ووضعوا أسس التدافع الرحيم واتجهوا صوب الثقافة وتعزيز السماحة السودانية. والآن تتدافع الكيانات السودانية بعنف من أجل تحقيق مكاسب تخص الكيان أو الجماعة دون الأخذ في الاعتبار الكل السوداني، حيث أفرز هذا التدافع مشكلة دارفور بتجلياتها المنظورة وغير المنظورة من تهتك النسيج الاجتماعي، وتهديد ذلك للأمن القومي، وتم تكرار النسخة ذاتها في جنوب كردفان وتمتد مسيرة التدافع الرجيم الذي يضع لبنات التفرق والشتات وولادة أجيال لا تعرف إلا مصلحة الذات الصغيرة. هناك وسائل تعمل على تشكيل الرأي العام ، الذي تقوم به الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني عبر وسائل الإعلام الجديد والقديم، ومراكز الدراسات، وأدوات كثيرة، ساهمت في عملية التدافع الرحيم والرجيم، تهدف إلى السيطرة والتحكم في إدارة البلاد، ومن أشكال تشكيل الرأي العام قيادة رأي عام حول تجربة الإسلام السياسي، وما صاحبتها من مشاكل انعكست على الحياة السياسية، مثل الفيدرالية وتكريسها للجهوية والقبلية، الانهيار الاقتصادي وسياسة التحرير، وممارسات الفساد وتجاوزات المال العام، والاستفادة من الأزمات في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، وتصويرها بحرب الهويات التي تستخدم فيها الأعراق والأديان كوسيلة لحسم تلك الحر ، وتتكاثر بيكتريا الاستقطاب الحادة، الذي تملك الحالة السودانية. والاستقطاب العنيف الموجود اليوم في المسرح السياسي، وانغماسه في الممارسة السياسية مؤشر سيء لقادمات، انظروا... كل المجالات تشهد تلك الحالة.. الرياضة، والإعلام، والسياسة، والاجتماع، الكل يستقطب ويجر إلى أرض المفاصلة مابين الاستقطاب الرحيم والرجيم، وعلى مستوى الأحزاب تجري عمليات استقطاب الفصائل الاتحادية والتدحرج بها نحو الجبهة الثورية وفي الأمة الاتجاه ذاته مضاف إليه الجهة، أما الحركة الإسلامية التي تدير النظام تشهد حالة من الاستقطاب الحاد جداً الناقد لتجربتها في الحكم، أما الحركات المسلحة التي قامت بدواعٍ عرقية وجهوية وأخرى أيدلوجية تحاول إماطة الغبن والتهميش لمجموعاتهم العرقية والجهوية، وتشهد كل يوم جديداً في برنامج الاستقطاب والتبرعم، إلى أن وصلت الفصائل إلى أعداد خرافية لا يقوى الإقليم على حمل تلك الفصائل. والإعلام واحد من وسائل الاستقطاب الحادة خاصة الصحافة الالكترونية، التي لا يوجد بها حارس بوابة يهذبها ويحذقها بمسؤولية اجتماعية، فتجد التعليقات على الموضوع تؤكد شواهد الاستقطاب الحاد، وتنحصر موضوعات التناول في الصحافة الالكترونية وفي مقالات الهوية (العرق) والمساهمة في الاستقطاب الجهوي والديني من خلال ممارسات النظام ومحاكمتها إعلامياً. حافر وصهيل في21 أكتوبر 1999 كنت أعمل صحفياً متعاوناً في صحيفة القوات المسلحة، كلفت بتغطية ندوة ذكرى أكتوبر التي أقامها المركز القومي للإنتاج الإعلامي، تحدث فيها شهيد الصحافة محمد طه محمد أحمد، ودكتور البوني، والحاج وراق، وحينها كانت تصاغ أكبر عملية استقطاب داخل الحركة الإسلامية، واذكر جيداً عبارة لم تفارقني أبداً قالها الحاج وراق (إن أية محاولة لاقتلاع الحركة سوف يكون لها تأثير على السودان كله، لأنها خلال العشرة أعوام تغلغلت في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية) ومن تلك المقولة إلى اليوم زادت المدة عشرة وازدادت عليها ثلاثة، بعدها بشهرين، حدثت المفاصلة والانشقاق وبرزت أزمة دارفور وهرولت قيادات وكوادر الحركة الإسلامية مستخدمة البندقية لحسم إخوان الصفاء، وتاهت الحركة في مستنقع دارفور التي أدخلت قوى الغرب والأمم المتحدة بقواها الناعمة والخشنة، وأصبحت دارفور مسرحاً للقوات الدولية ومنظمات الغوث الإنساني، لتحدث تغييراً في عقول النشء، وتشكل واقعاً جديداً يهدد الأمن القومي السوداني وصعود حركات السلاح التي تتحرك بأجندة القبيلة والجهوية. وحالة الاستقطاب بائنة للعيان وتتحكم في كل منظومات المجتمع السوداني خاصة السياسية، ويقود هذا الاستقطاب صفوة ونخب وتشكل به رأياً عاماً، وفي غمار ذلك الاستقطاب تبرز الصحافة كوسيلة من وسائل ذلك التشكيل، ومسرحاً للنخب السياسية للاستقطاب، ورغم أن الصحافة عاكس جيد للوقائع والأحداث.وعلى الصحافة أن تقود حملة صحفية لمصلحة الوطن لإزالة حالات الاستقطاب الحاد وقيادة الرأي العام نحو التعايش السلمي، وإعادة التشققات في لحمة الكيانات الاجتماعية السودانية، ومحاربة الجهويات والعرقيات والتوجيه بنشر الوعي والانتماء الكبير للوطن، وإذا سخرت الصحافة كل إمكاناتها لردم الهوة لمحاربة حالة الاستقطاب الجهوي والقبلي يمكننا الخروج من دوائر الشر المتربصة بالوطن. حافر أخير :- ارتفعت وتيرة الاحتجاج في مصر بسبب خطوة مرسي وإعلانه الدستوري، جاء ذلك بعد انتصار حماس وإرغام إسرائيل على الهدنة، ساهمت مصر الثورة في النصر الفلسطيني، وقبل أن يجف مداد الفرح، أعلن مرسي إعلانه المتعجل لتخرج الجماهير كما خرجت ضد مبارك، إن الإخوان في مصر متعجلون في تنفيذ برامجهم ودون النظر إلى طبيعة مصر، إن الإعلان يخصم من شعبية الإخوان والتيار الإسلامي في مصر، ويسقطه من خيارات التقدم في مسيرة التنافس الديمقراطي، ودخل مرسي في دوامة تراجع وضعف قراراته وإن صمد ضاعت تجربة الإخوان.