في البداية: هذا مقال وجدته ببريدي الإلكتروني من الأستاذ محفوظ الطويل من المملكة العربية السعودية..طالبا نشرها لعموم المعرفة..ووجدتها صراحة تشابه بعضا مما يحدث هنا في السودان.. والطويل هو معلم مصري أغترب للتدريس بالخليج وتحديدا بالرياض العاصمة السعودية... يتصور الكثيرون أن جمع المال بكل السبل هو الطريق الأمثل للوصول إلى الراحة عندما يتقدم بهم العمر وقد يكون مع الكثيرين منهم بعض الحق في ذلك لانهم لا ينظرون إلى الواقع المؤلم الذي نعيشه بل ينظرون إلى المستقبل البعيد الذي ربما لا يعيشونه ولا يصلون إليه. تعالوا بنا نشخص الاسباب التي أوصلتنا إلى ذلك معروف جيدا أن اي نهضة أو تقدم في اي أمة لابد وأن تبدأ بالتربية والتعليم وهناك الكثير والكثير من الأمثلة وفي مقدمتها اليابان وماليزيا و الدول الأوربية و الولاياتالمتحدة و كندا و غيرها. في كل تلك الدول يعتبر المعلم والمعلمة هم الركيزة الأولى واصحاب المهنة والوضع الاجتماعي الأرفع حيث يتم إعطائهم أعلى الرواتب ويتم تكريمهم بأعلى الأوسمة مما يجعلهم يواصلون جهودهم الدائمة في تطوير أنفسهم و تحصيل العلم ونقله بشتى الوسائل إلى الأجيال المتوالية إيمانا منهم بدورهم في رقي ونهضة بلادهم. أما نحن: والله إني اصبحت أخجل أن أدعي أنني معلم بعد التدريس لأكثر من 20 سنة في مراحل التعليم المختلفة اكتشفت أنني كنت في عالم مثالي لا يمت إلى الواقع بصلة رغم علمي وشعوري بذلك منذ زمن بعيد فقررت أن ابتعد ولا أواصل المشاركة في هذه المهزلة معادلة يصعب على اي عبقري أن يحلها: يبحث المدرس المصري وغيره عن فرصة عمل في دولة خليجية لتحسين وضعه فيتاجر به أصحاب المدارس الأهلية حيث يشتري التاشيرة بما لا يقل عن عشرة آلاف ريال ويقبل أن يعمل بعقد غير آدمي بمبلغ لم يصل إلى ثلاثة آلاف ريال بعد وياتي إلى دول الخليج و يتفاجأ بمستوى معيشي مرتفع فلا يستطيع أن يسكن و ياكل و يشرب و يدفع متطلبات تجديد الإقامة و التاشيرات وغريها و الكهرباء و الهاتف و الإنترنت و وو ومطلوب منه أن يسدد ثمن التاشيرة التي اقترضها من أصحابه ويجد نفسه في متاهة مضطرا إلى السعي وراء دروسا خصوصية بهدف تلبية المتطلبات الاساسية له هو نفسه ثم لاسرته التي فارقها على أمل أن يحسن أوضاعهم و يدور في حلقة مفرغة و ينتهي العام الدراسي كل سنة ويلزمه زيارة أهله فيضيع ما جمع ويتسلف من هذا ومن ذاك حتى يعود مرة أخرى إلى عمله في تلك الدولة الخليجية. كيف لهذا المعلم أن يطور نفسه بتعليم أو بدورات أو بأدوات تقنية حديثة و كيف يمكن أن يكون مبدعا ليخرج أجيالا تنهض بهذه الأمة؟؟ يذكرني هذا بصندوق النكد الدولي الذي يتحكم فيه الصهاينة حيث يعطون القروض بفوائد لا يقدر اي عبقري على الوفاء بها و يظل يدور في فلك الدين حتى يعلن إفلاسه و يؤخذ منه كل ما كان يمتلكه قبل الاقتراض. المشكلة تكمن في أناس يتصورون أنهم أذكى من غيرهم و هم من يدعون أنهم يساهمون في نهضة البلد بالتعليم و هم في الواقع يدمرون المستقبل ليس فقط لبلدهم بل لكل المنطقة التي يعيشون فيها و المناطق المجاورة لهم . ثم يتفاخرون بانهم استطاعوا أن يبنوا أنفسهم بالملايين من دم الكادحين قيل «keep them in darkness» اتركهم في الظلام...والمقصود أن يبقى هؤلاء البشر في جهلهم حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا...ولكن.. لا يدرك الآباء مدى المستوى المتدني لأبنائهم وبناتهم من ناحية التعليم إلا متأخرا جدا بعد اتمام شهادة الثانوية العامة ويضطر الكثيرون منهم إلى تسفير أبنائهم و بناتهم إلى الخارج ليتعلموا(اللغة االإنجليزية) أو يلتحقوا بجامعات غربية ويعاني أولئك اشد المعاناة لرفع مستواهم أولا في اللغة ثم في المجال الذي يتخصصون فيه وفشلت نسبة كبيرة منهم و عادت بخفي حنين. فهل نعيد التفكير في طريقتنا و اسلوبنا في التعامل مع المعلمين و المعلمات أم تسيرون في طريق آخر و هو استقدام مدرسين من جنسيات غربية ظنا منكم أنهم أفضل منا و يهمهم مصلحتنا و مصلحة أبنائنا أكثر منا؟؟ و بعد انقضاء عقد أو عقدين تكتشفوا أنكم كنتم تسيرون في الاتجاه الخاطيء؟؟؟ محفوظ الطويل