لا أدري إن كانت ظاهرة سودانية بحتة أم تشاركنا فيها بعض الشعوب، تلكم ظاهرة (شيل الحال) مع سبق الإصرار والترصد.. بمعنى توريطك في موقف ما (بالحليفة والإصرار)، ثم تضطر الى مجاملته وبمنتهى حسن النية تنصاع ومن ثم تبدأ منظومة شيل حالك.. ذكرني أحدهم بطرفة قديمة عن رجل (شيال حس) فهو يطلب منك فعل الشيء بالحاح.. ولما تنصاع له.. يحكيه للآخرين مع جعلك في موقف لاتحسد عليه.. والشاهد إننا كنا نعمل سوياً.. وكان أن شكى من ألم في بطنه وأخذ يتلوى، مرات يدعي المرض لأنه فيما يبدو(فاقد حنان) حتى يرى إشفاق الناس عليه).. فذهبت اليه للإطمئنان على صحته.. هنا قامت زميلته بعمل ليمون له.. وأحضرته له فطلب مني أن أشربه فرفضت.. فقال: أنا لا أشرب الليمون أشربه حتى لا يسخن، ويصبح لا قيمة له.. وبناء على إلحاحه شربت كوب الليمون.. وكان إن خرجت.. فأصبح يشيل حسي.. ويحكي لكل من يزوره.. والله حسيت بي وجع بطن (فايزة) كتر خيرا عملت لي ليمون.. لكن شربو (فلان) ويذكر إسمي.. فيخرج ضاحكاً ويعاتبني ياخى حرام عليك تشرب ليمون الأستاذ.. فأظل أحلف وأقسم إنه طلب مني ذلك في إلحاح.. لكنه لم يتورع أخذ يحكي لكل من يزوره إنني شربت ليمونه.. ولما كتر الكلام ذهبت اليه لأوضح له.. إنني شربت الليمون بناء على طلبه، وماكان يحكي للناس هذا الأمر فقال لي: أنا بقول ليهم كده عشان أوريهم انو نفسي كانت مسدودة.. بعد أيام التقيت في دكان بالسيدة والدته.. حدثني زميل إن هذه والدة زميلنا.. فعرفني بها.. وما أن ذكر لها إسمى حتى صاحت: واي ده الشرب ليمون ولدي.. أنا تطير عيشتي فأخذت أبرر لها بأنه والله العظيم هو الطلب مني أشرب الليمون وبالحاح.. فلم تقل سوى: طيب ماياهو.. غضبت واحترت في شيل الحس هذا مع سبق الإصرار والترصد.. وكدت أنسى الموضوع بعد يومين زارته زوجته في المكتب ومعها طفلاها.. وكانا أشقياء يغنون أغنية (ليمون بارا) لعبدالقادر سالم لما عرفوني بها وعرفتني.. قالت لأطفالها: مابتعرفو عمو ده.. فهزا رأسيهما كناية على إنهما لايعرفاني فقالت: كيف ده ما فلان الشرب ليمون بابا السوتو ليهو فايزة.. فأخذا يغنيان (ليمون بابا).. كدت أبكي من الغيظ.. وكرهت الليمون وشراب الليمون.. لكني احتملت وقطعتها في مصاريني.. بعد أيام زاره الفنان الكبير سليط اللسان وخرج منه وكنت مستعجلاً للحاق بأمر مهم.. فلم أره.. فناداني معاتباً: شنو لا سلام لا كلام فقلت له: والله ماشفتك فما كان منه إلا أن قال:أنت شراب ليمون العيانين بخليك تشوف.. لما سألت كيف؟ أنت مش شربت ليمون فلان لما كان عيان.. اندهشت لاجتهاد الرجل في شيل حسي وذكر الحادثة في كل لحظة.. ومن يومها كرهت الليمون.. وكرهت أي أغنية فيها ليمون.. من ليمون بارا.. الى الليموني.. الى قام يتعزز الليمون.. حتى ليمون سقايتو علي ياحاج انا.. وكلما تذكرت هذه الحادثة الطريفة السخيفة تساءلت عن هواية شيل حس الناس بتوريطهم في أمر، ثم الحديث عنهم بسوء شديد.. مثلما حدث معي في حكاية كباية الليمون!