القاريء الكريم والناشط الاجتماعي محمد أحمد الكنون بعث ل«اضاءات» برسالتين دفعة واحدة من الدندر، تتحدث إحداهما عن المعركة الدامية بين العصابة التكفيرية وأجهزة الدولة يشيد فيها بالقضاء على العصابة والفتنة في مهدها، بينما يتناول في الثانية تجربة «الأحواض المائية» باعتبارها مشروعاً تنموياً رائداً في مجال مكافحة الفقر في شرق السودان، وعرف بالمشروع ذي الأبعاد الدولية والأوربية والمحلية، والذي شمل في مرحلته التجريبية محلية الدندر بولاية سنار وامتد إلى كل من النيل الأزرق والقضارف.. وفيما يلي رسالة الكنون حول «الأحواض المائية» مع قليل من الاختصار والتصرف: قد لا يعرف البعض ما هو مشروع الأحواض المائية وما هو الهدف منه وأين يعمل.. فالمشروع يشمل «36» قرية من قرى ولايات سنار، والقضارف والنيل الأزرق، ويهتم بتطوير وترقية الزراعة ومحاصيلها، والبساتين وثمارها، والرعي والثروة الحيوانية ومسارات الرُحل، بالإضافة إلى الغابات، والدعم الاجتماعي في مجال الخدمات.. ويأتي بمبادرة من البنك الدولي والحكومة الفنلندية ومنظمة نيراس الفنلندية للدعم الفني بمشاركة وزارة المالية الاتحادية في السودان.. ويستهدف بالدرجة الأولى الحد من وطأة الفقر والحفاظ على الموارد، والتنوع البيئي والإحيائي في هذه القرى وفي محمية الدندر الطبيعية بوجه خاص. قبل أكثر من ثلاث سنوات زارنا في محلية الدندر المهندس صلاح الماحي منسق المشروع لوحدة الدندر، والمهندس إبراهيم بليلة المنسق الوطني لمشروع الأحواض المائية برفقة وفد من البنك الدولي والحكومة الفنلندية، وقدم لنا إضاءات حول عمل المشروع، وكنا نقول وقتها- وبعض الظن اثم- إن هذا المشروع سوف يلحق بغيره من المشاريع التي ما بدأت حتى انتهت، ولم تُعد بأي فائدة على قرانا وريفنا البائس، وكل ما تفعله هو صرف الأموال في الأعمال الإدارية والمؤتمرات وورش العمل ووقود السيارات. لكننا الآن ونحن في العام الثاني لتجربة مشروع الأحواض المائية نستطيع القول باطمئنان شديد إنه مشروع ذو جدوى كبيرة، يستطيع من خلاله المواطنون- والفقراء منهم بخاصة- تحقيق بعض آمالهم بدفع عجلة الانتاج في هذه القرى، وانتشال العديد من شبابها من براثن العوز والبطالة.. تأكد لي ذلك من خلال جولة ميدانية في القرى التي شملها المشروع في الولايات الثلاث، حيث ساهم المشروع بوسائله وتقنياته الحديثة من تحقيق انتاجية عالية وغير مسبوقة في انتاج محاصيل الذرة والسمسم، وتنمية الثروة الحيوانية وتحسين سلالاتها، بينما المشروع لا يزال في عامه الثاني، وقد لمس المواطنون بالفعل وعملياً فوائد المشروع في مجالات الزراعة، وتملك الأنعام والغابات الشعبية والمزارع الإيضاحية، بحيث يمكننا القول إن مشروع الأحواض المائية قد سلك الاتجاه الصحيح، وكل ما نرجوه من الحكومة أن تقدم له الدعم والتسهيلات المطلوبة وتوليه المزيد من الاهتمام. وقد شهدت في معية ممثلي البنك الدولي والحكومة الفنلندية ووزارة المالية وإدارة «الأحواض المائية» بعض ثمار المشروع في احتفالات الحصاء والمزارع الإيضاحية، بما أكد لدي حقيقة «الشراكة الذكية» التي يمثلها، وذلك عندما وقفنا على نتائج العمل في قرى الشبعانة بالدندر وباندغيو- عرديبة التجاني بولاية القضارف، ومنطقة الكادلو بولاية النيل الأزرق، وكان أهم ما في تلك الاحتفالات هو المزارع الإيضاحية لتعليم المزارعين كيفية استخدام التقانات الحديثة والتقاوى المحسنة، وهذا في حد ذاته مثَّل اسهاماً كبيراً لصالح زيادة الإنتاجية الأفقية والرأسية لفدان الذرة أو السمسم، وهو ما دفعنا لتسليط الضوء على هذه التجربة الرائدة التي مثلت نقلة نوعية مهمة، وجدت حماسة شعبية منقطعة النظير من أهل الريف هنا، خلافاً لكل المشاريع السابقة كمشاريع دعم الأسر المنتجة، والأسر الفقيرة والتمويل الأصغر وغيرها التي هدمها سوء التخطيط والتنفيذ، والتي صرفت عليها أموال لو فرشت على أرض هذه الولايات لغطت مساحات مهولة منها، ولكنها باءت كلها بالخسران.