ونحن داخل إحدى قاعات مجلس الولايات بأم درمان، حيث التقى نائب رئيس المجلس وعدد من قياداته، بعدد من رؤساء التحرير وكتاب الأعمدة في الصحافة السودانية ظهر الأحد الأول من أمس، كنت أتابع الحديث والحوار، وأشارك بالرأي، واستشعر في ذات الوقت أن هناك غضبة مكتومة داخل صدور النواب الذين التقينا بهم، وهم يمثلون ولايات السودان المختلفة في هذا المجلس الذي حمل اسم (الولايات). اختصاصات المجلس مبهمة، وصلاحياته غير واضحة، ويُرجع النواب ذلك إلى أن دستور 2005م أو (دستور نيفاشا) قد تم وضعه على عجل خاصة وأنه- أي الدستور- قد تضمن تعريف شكل الدولة السودانية وحدّد أنها اتحادية، تكون مستويات الحكم فيها على ثلاثة مستويات، هي (الحكم الاتحادي) الذي يمارس السلطة ليحمي سيادة الدولة الوطنية وسلامة أرضها ويحقق ويعزز رفاهية الشعب. مستوى الحكم الثاني هو (الحكم الولائي) الذي يمارس السلطة على مستوى الولايات في كل أنحاء السودان، ويقدم الخدمات العامة من خلال المستوى المحلي، والذي يعتبر هو المستوى الثالث ويكون في أنحاء السودان كافة. ويحدد الدستور السلطة التنفيذية القومية بأنها مكونة من رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء القومي، بينما تجيء السلطة التشريعية القومية مكونة من المجلسين، أي مجلس الولايات، والمجلس الوطني، ويتم انتخابها وفقاً لنظام انتخابي مختلط يراعي التمثيل العادل للمرأة والشباب، بينما تؤدي الهيئة التشريعية القومية أعمالها التي عددها لها الدستور في جلسات مشتركة للمجلسين يترأسها رئيس مجلس الولايات، ويكون رئيس المجلس الوطني نائباً له.. ويكون عدد الأصوات منفصلاً لكل مجلس على حده ومحكوماً بالنصاب الذي يحدده الدستور. النواب الذين جلسنا إليهم واسمتعنا لهم، كانوا يريدون دوراً أكثر فاعلية ليس لهم في أشخاصهم، بل لممثلي الولايات، إذ أن أجل هذا المجلس قد اقترب وربما يتم حله بإجازة الدستور الحالي، ورأى عدد من زملائنا الصحفيين، وعلى رأسهم الأستاذ عبد الباقي الظافر أن يتم انتخاب أعضاء مجلس الولايات انتخاباً مباشراً من الناخبين، كما رأى البعض أن يحمل المجلس اسم المجلس القومي للولايات، ورأى آخرون- كنت من بينهم- أن يحمل اسم (مجلس الشيوخ). اطلعنا على التقرير الموحد عن نتائج زيارات وفود المجلس إلى الولايات بشأن رؤاها حول الدستور الدائم المرتقب، وقد استوقفتنا الرؤية الموضوعية (الإصلاحية) التي تضمنها التقرير، والقائلة بأن المجلس يتكون من ثلاثة ممثلين لكل ولاية، يتم انتخابهم عن طريق الانتخاب غير المباشر بواسطة المجلس التشريعي للولاية- هذه كانت نقطة خلافية كما أشرنا قبلاً- ويقوم رئيس الجمهورية بتعيين ممثلين بنسبة (20%) لتمثيل الكفاءات العلمية والإدارية والسياسية والأهلية، وهذه أيضاً فيها نظر إذ رأى بعضنا أن هذه النسبة قليلة، ففي مصر الشقيقة قام الرئيس محمد مرسي قبل يومين بتعيين تسعين عضواً في مجلس الشورى، إضافة إلى ضعفهم من المنتخبين، بحيث تصبح نسبة الأعضاء المعنيين الثلث بالتمام والكمال. تضمن التقرير شروط الأهلية لعضوية مجلس الولايات، ومن أهمها ألا يقل العمر عن أربعين عاماً، ولم يكن هناك اشتراط بذلك في الدستور الحالي، إذ أن العمر بالنسبة للمجلسين محدد بألا يقل عن ثلاثين عاماً، وهناك شرط آخر هو عدم الجمع بين عضوية المجلس الوطني، والتمثيل في مجلس الولايات، وتم إعطاء رؤساء المجالس التشريعية بالولايات، الحق في حضور جلسات مجلس الولايات كمراقبين، ويتمتع ممثلو مجلس الولايات بحق حضور جلسات المجالس التشريعية في ولاياتهم كمراقبين. حدد التقرير مهام الهيئة التشريعية القومية، ومن بينها تعديل الدستور وإعلان حالة الطواريء أو إنهائها وتنحية رئيس الجمهورية، وغير ذلك من مهام أخرى، لكن التقرير جاء محدداً لاختصاصات مجلس الولايات، كما حدد العلاقة بين مجلسي الهيئة التشريعية القومية. ما حدث قبل يومين داخل قاعات مجلس الولايات بأم درمان فتح الباب دون شك لنقاش مستفيض حول الدستور الدائم المرتقب، وحول مهام مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، لا نحسب أنه سيغلق في القريب.