ما حفزني لتسجيل هذه الخواطر عن حاضرة البادراب (ام ضبان) أمران، أولهما ما يجمعني بأهلي البادراب من صلة الرحم، وثانيها مقال مختصر للأستاذ النوراني الحاج الفاضلابي استخدم فيه التسمية التاريخية العريقة لتلك البقعة الطاهرة وهى (أم ضبان)، وأما اسم " أم ضواً بان) فهو مستحدث في العهد المايوي، فقد درج قادة ذلك العهد على تغيير أسماء كثير من المعالم، وكأني بهم قد استنكروا كلمة " ضبان" والتي هي تحريف عامي لكلمة " ذبان" الفصيحة والتي تعني الذباب كما تعني النحل. ولعل الحقيقة التي غابت عنهم أن كلمة ( أم ضبان) هي التسمية التي أطلقها الشيخ العبيد ود بدر نفسه على هذه البقعة وقد كانت مهجورة وغنية بالأشجار، وكان النحل يتخذ من هذه الأشجار مساكن له، وكما هو معروف فان العرب كانوا يطلقون على النحل اسم الذباب، ونجد ذلك في قول عنترة الشهير في معلقته: وخلا الذباب بها فليس ببارح غرداً كفعل الشارب المترنم وعلى كل حال لا يضير في شئ تغيير اسم ما بآخر أن كان من أطلق الاسم يرى انه قد أتى بالأفضل، إلا أن الكثيرين من مريدي ومحبي أهلنا البادراب يفضلون كلمة (أم ضبان) ربما لعراقتها التاريخية، وربما لأن من أطلقها هو الشيخ العبيد نفسه. والمسيد الذي أسسه شيخنا العارف بالله العبيد ود بدر في البقعة المذكورة هو من اعرق (المسايد) في السودان ومن أكبرها وأشهرها، وتشد إليه الرحال من مختلف بقاع السودان، ومن نافلة القول أن نشير إلى دور آل ود بدر الكرام في مناصرة المهدية بالسلاح وليس بالأقوال. وقد يستغرب البعض من استخدامي كلمة (مسايد) لجمع (مسيد)، وأحيل هؤلاء إلى الباحث الثبت الراحل الأستاذ الطيب محمد الطيب الذي رأى أن كلمة مسيد هي تحريف عامي لكلمة مسجد، إلا أن الأستاذ الفاضلابي نفى عنها التحريف وقال إنها لغة فصيحة في المسجد واستشهد على صحة ما ذهب إليه بمصنف (تاج العروس) ومؤلف (تثقيف اللسان)، وكذلك بما هو شائع في لهجات أهل الخليج العربي وجنوب المملكة العربية السعودية والجزائر وحضرموت وغيرها حيث تحل الياء محل الجيم فى الكلام.وقد أصبحت أم ضبان أو أن شئت أم ضواً بان مدينة تتوفر فيها كل أسباب المدينة الحديثة بمقاييسنا السودانية، على إنها لم تبلغ هذه المكانة دفعة واحدة وإنما تدريجياً عبر عهود خلافه مختلف أشياخنا الأجلاء من البادراب، ورغم التحديث الذي طرأ على هذه البقعة الطاهرة إلا إنها لا زالت تحتفظ بأصالتها وعراقتها سواء في تقاليد وعادات أهلها الكرام، أو في مسيدها الذي لا تنطفئ فيها نار القرآن الكريم وهو يقوم بتحفيظ كتاب الله المجيد لتلاميذ المسيد صغاراً وكباراً، كما يستمر في مواصلة رسالته التاريخية في تدريس ونشر لغة القران الكريم والعلوم الإسلامية المختلفة، كما يقوم بتوفير المأوى والمأكل والمشرب لهؤلاء التلاميذ طوال أيام السنة، هذا إلى جانب توفير القرى للمريدين والزوار الذين لا ينقطع سيلهم باتجاه المسيد للتبرك وقضاء الحوائج أو للتعرف على هذه المثابة الكريمة التي أسسها علم كبير من أعلام الإسلام والجهاد وتوالى على خدمتها من بعده أشياخنا الذين ينحدرون منه، نفعنا الله بهم جميعاً.