الحمد لله الذي يمدُ الدعاةَ العاملين على نُصرة دينه بالنصرِ المؤزرِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ البشريةِ الذي جاهد لينقذها من الضلالِ والمهانةِ إلى العلمِ والكرامةِ والعزِ والشرفِ وعلى آله وأصحابه الذين آووه ونصروه إلى أن قوىَ الحقُ من بعدِ ضعفٍ وعَزّ من بعد قهرٍ وأشرق على الدنيا فجرٌ جديدٌ واجتازت الدعوةُ الجزيرة فهزت عروشَ الظلمِ في فارس وقوضت دعائمَ الكِبْرِ والجبروتِ في الروم. كان العالمُ قبل ميلاده صلوات الله وسلامه عليه يتخبط في ظلماتٍ بعضُها فوق بعضٍ، عبد الناسُ الحجارةَ من دون الله وهم ينحتونها بأيديهم، وطغى القويُ على الضعيف، يقتلون أولادَهم بلا شفقةٍ ولا رحمةٍ ولا حنانٍ خشية الإنفاق. يعتدون على المحارم كما تعتدي الحيواناتُ الضالةُ على بعضها. ليس لهم ضميرٌ يعصمهم ولا حياءٌ يردعُهم. انتشرتِ الفوضى حتى ضاقت على الناسِ الأرضٌ بما رحبت وتفرقوا شيعا وقبائلَ يلعن بعضُهم بعضا. ولما أراد الله سبحانه وتعالى بهذا العالم خيراً وأن يبدل هذا الظلم عدلاً والظلامَ نوراً والفوضى نظاماً والقسوةَ رحمةً نفح العالمَ بآيته الكبرى ووسيلته العظمى سيدنا محمدٍ بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه. وفى تلك الظلماتِ أضاء فجرٌ فملأ الآفاقَ بالنور. ولد صلوات الله وسلامه عليه في عام الفيل ونشأ يتيماً لحكمةٍ ربانية فتولى الله حفظَه وتربيتَه وعصمه من الشرورِ والآثامِ، وكان لا يفعلُ ما يفعله قومُه من ذميم الخصال بل كان طاهراً أميناً وقوراً عصمه اللهُ منذ الصغر فلم يسجد لصنمٍ ولم يكذب ولم يخن أحداً اعتمد على نفسه فرعى الغنم واشتغل في تجارة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها بأمانةٍ وإخلاصٍ فأعجبها منه إخلاصَه وأمانتَه ثم تزوج منها فكان نعم الزوج وولد فكان نعم الأب. ومن خلال ذلك اخذ يتطلع إلى عجائبِ خلق الله في هذا الكون فصار يتعبد في غار حراء وهناك نزل عليه الوحي الأعظمُ وأمره الله أن يبلغ كلمتَه للعالمين. وبدأ دعوتَه سراً فاستجاب له فئةٌ كُتبتْ لهم السعادةُ في سابق الأزل وخالفه آخرون. ثم جهر بدعوته وصاح في الناس أن لا إله إلا الله فدوت هذه الكلمةُ العظيمةُ في أرجاء الأرض. ولكن لكل دعوةٍ عظيمةٍ حسادٌ وأعداءٌ فخاصمه أهلُه وعشيرتُه وقالوا عنه ساحرٌ وقالوا عنه مجنون وقالوا عنه طامعٌ يريد المالَ أو الملكَ فما التفتَ إلى ذلك كله ثم عرضوا عليه أن يتنازل عن دعوته ويعطوه في سبيل ذلك مالاً إن كان محتاجاً أو مُلكاً إن يُرد فلم يلتفت إلى مالهم ولا إلى ملكهم ولا إلى جاههم. وقال قولتَه المشهورةَ لعمه والله يا عم لو وضعوا الشمسَ عن يميني والقمرَ عن يساري ما تركتُ هذا الأمر حتى يُظهره الله أو أهْلَكَ دونه. كلمةٌ قويةٌ نبعت من قلبٍ أشرقت فيه شمسُ الإيمان. ومضى صلوات الله وسلامه عليه في دعوته وتوالت الآياتُ والمحنُ وانتصر الإسلامُ وامتلأتِ الأرضُ عدلاً وتوالت الفتوحاتُ العظيمةُ حتى رفرف علمُ الإسلام في أقصى الأرض وارتفع صوتُ الأذانِ في أنحاء المعمورة. صلى الله عليك يا رسولَ الله بقدر ما أُوذيت فصبرت وصابرت فانتصرت. صلى الله عليك يا رسولَ الله فقد أخرجتنا من الظلماتِ إلى النور وعلمتنا ورسمت لنا الطريقَ وقد كنا ضالين وعلمتنا التضامن والتعاون وقد كنا قبل ذلك متفرقين متخاصمين وجئتنا يا رسولَ الله بكتابٍ لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه وكنا قبل ذلك من الضالين . صلى الله عليك يا طيبَ القلبِ لم تحقد على أحدٍ وقد دخلت مكةَ ظافراً وظن أعداؤك الذين أخرجوك من ديارك أن سوف تقتلهم أو تأسرهم فقلت لهم ما تظنون أنى فاعلٌ بكم قالوا خيراً أخٌ كريم وابن أخٍ كريمٍ فقلت اذهبوا فأنتم الطلقاء. صلى الله عليك فقد كنتَ تعامل أصحابَك بالحسنى وتشاورهم في الأمر وترقع ثوبَك وتَخْصِفُ نعلَكَ وتركب الدابةَ وتردف خلفك تواضعاً منك. ما أجمل شمائلك وأعظم خُلقُك يا رسولَ الله وصدق ربُّك إذ يقولُ فيك «وانك لعلى خلقٍ عظيمٍ». أيها المؤمنُ خُذِ العبرةَ من سيرةِ الرسولِ في أعمالك وأقوالك وأحوالك فهو القدوةُ العظمى والعروةُ الوثقى وحبلُ الله المتين من تمسك به أفلح. اللهم هيئ قلوبنا لنتقبل هَدْىَ نبيك الأعظم وأملأها حباً له وارزقنا شفاعَته يا ربَ العالمين. آمين ،، آمين ،، اللهم آمين