ü يقول المثل «الحياة موقف» فيجب أن تحدد لنفسك أي موقف تختار «الوقوف مع الحق» أو مع الباطل.. موقف «بطولي» أو متخاذل!!.. والأخير كان صفة ملازمة لنعت الخصوم عندما كنا في الجامعات، فكثير من إخواننا المناضلين كانوا يرددون «ما تتخاذل» «والزول دا متخاذل». ü أنا لا أقصد أن أتحدث في هذه المساحة إلى «ما لا نهاية» عن هذه المواقف الإنسانية.. ولكنني أنوي الحديث عن «مواقف المواصلات» في الخرطوم التي هي كل يوم في شأن!! وعلى ذكر مواقف المواصلات و «البطولات» أتذكر تلك الموجة من الضحك التي غمرتني وزميلي المناضل الجسور «أبوريان الآن».. كنا وقوفاً لساعات طوال في ميدان أبوجنزير في انتظار المواصلات والزمان زمان «انتفاضة» ومايو تترنح.. كنا قادمين لتونا من مظاهرة في أم درمان!!.. طال مكوثنا وانتظارنا في «الميدان» وفجأة لاح «أبورجيله» بلونه الأصفر «الدفاق» و«تدفقت» الجماهير الصابرة تكاد تفتك ببعضها البعض و «بالبص» ومساحات الهواء الباقية من التدافع الجسدي الرهيب.. صديقي تسمّر في مكانه.. قلت له أسرع «ننحشر» مع الحاشرين!! قال لي كيف «أدافر» مع الناس بهذه الصورة؟!.. قلت له أليس هذا «الالتحام» مع الجماهير الذي كنت تحدثني به قبل قليل!! وانفجرنا في موجة من الضحك على هذه المواقف المتباينة.. ولا زلنا نتذكر «بهجتها» كلما التقينا في هذه «الخرطوم»!! يمضي ساكن الخرطوم معظم عمره في مواقف المواصلات يجري ويلهث من موقف لآخر.. يفعل هذا كل سنوات عمره.. «يصاقر» الموقف.. طالباً وموظفاً ومعاشياً.. ولسان حاله يقول «ملازمك يا حبيبي» و «وهبت عمري ليك»!! ü لقد ودعت كثير من الشعوب حاجة اسمها «أزمة مواصلات» وأصبحت من ذكريات أيام التخلف والرجعية وأيام التجريب الخاطيء في الشعوب!! الآن اتخذت ولاية الخرطوم قرارات كبيرة وطموحة بإلغاء المواقف الثابتة والاستعاضة عنها بنظام المحطات ذات الربط السريع التي لا يتجاوز زمن الوقوف فيها مدة «10» دقائق.. وتحويل الخطوط إلى «دائرية وسريعة» لا مكان فيها لتبطل أو «تعطل» أو جلوس في انتظار «النمرة» أو نقابة و«سريحة» يأخذون رسوماً من أصحاب المركبات بدون مقابل أو خدمات محسوسة!! ü التجربة هي المحاولة الثانية بعد الأولى التي قامت بها الولاية عندما اقتلعت ميدان أبوجنزير من جذوره بكل تاريخه وشجونه وذكريات المحطة الوسطى «زمان».. ونقلت كل هذا لمواقف السكة حديد وكركر في تجربة لم يكتب لها النجاح. نعم أفرغت وسط الخرطوم من الزحام ولكنها نقلت المشكلة بكل تداعياتها و«زيادة» للجانب الغربي من المدينة!! ü الآن نخشى أن تتكرر ذات الأخطاء المصحوبة بالسرعة في اتخاذ القرار.. يجب إمهال المواقف القديمة، الأستاد والسكة حديد.. أنا لا أعرف الطريقة التي سيتم بها «تفكيك النظام» داخل هذه المواقف الثابتة.. ولكنني أتمني أن يمنح الوالي هذا «المجتمع التجاري» الذي تكوّن خلال الفترة المنصرمة، أن يمنحه فترة انتقالية هادئة وبدون «قمع» لترتيب الأحوال.. وأن تنصرف جهود السلطات لإنجاح الخطة الجديدة في المحطات المتحركة!! وأن تترك لقانون الحياة الطبيعي أن يفكك «النظام القديم» لوحده.. فقانون العرض والطلب كفيل بحل المشكلة.. فماذا يبيع التجار لركاب ينتقلون على جناح السرعة من بص وبص ومن محطة لمحطة؟! ü أتمنى أن يتم التفكيك بهدوء وبسلاسة.. وأن يتذكر أصحاب السلطة والقرار أن «الحياة موقف كبير»!!