رأي : د. عبد الرحيم عبد الحليم محمد : عجبت من أمر ذلك الصديق الذي يعمل مديرًا لدار نشر هامة في بلادنا ، أراسله عبر الأنترنت ولا من مجيب على عنوانه الذي أعطاني إياه لا على عنوان جاره أو جده في مقابر أحمد شرفي. ليس هذا الصديق هو الوحيد من نوعه فتجربتي الخاصة مع رواة أخبار في الصحف ومحررين وسماسرة بيوت ومساعدية لواري أنهم لا يلقون بالاً إلى الإنترنت الذي تخلل بلادنا من حدود الجنوب القديمة إلى أقاصي وادي المقدم وصحراء بيوضة. ويبدو أن علِة عدم الإكتراث بالأنترنت بالنسبة لرواة الأخبار في الصحف هو آفة تلك الأخبار فإنهم عندما يعجزون عن ملاحقتها يروون شيئاً مخالفاً ولا يصبحوا مع ذلك على ما فعلوا نادمين. إن أولئك الرواة لا يقومون بمراجعة الرسائل التي ترد إليهم هذا إن كان لهم أصلاً حسابات بريدية على هذا الأثير الذي تخلل مساماتنا، وتمشى في مفاصلنا كتمشي الصحيح في السقم. يا لها من قرية كونية أصبح بمقدور الواحد منا أن يجوب أقطارها بنقرة خفيفة على الحاسب الآلي فسبحان الذي علم الإنسان ما لم يعلم وجعله وريثاً له في الخلق والإبداع. أعجب لأحباب كثيرين هيأ الله لهم مكاتب فخمة !! وهذه الخدمة العصرية المدهشة -الإنترنت- وإصرارهم على البقاء ضمن فئة المهاجرين إلى هذا العصر الرقمي لا من سكانه وسيماء لكنهم كمهاجرين بادية على ممارساتهم وإصرارهم على البقاء كمواطنين في العصر الحجري ومغاراته الرهيبة. ملكة بريطانيا في ربيعها التسعيني وتزامناً مع مفهوم مواكبة العصر ، كانت قد تدرجت من إلقاء خطاب العرش عبر الراديو فالتلفزيون الى اليوتيوب والتويتر ثم البث الثلاثي الأبعاد مثلما فعل إمبراطور اليابان أيضاً ، وفي عصر بات فيه الفرد متناولاً لإفطاره في قارة وغدائه في قارة أخرى فإنني لا أجد تفسيرًا لسلوكياتنا تجاه البريد الألكتروني ، حتى إخواننا الصحفيين عندما يكتبون مقالاتهم ، لا يضعون عناوينهم ، وبالمثل لا يحفل الناس في بلادنا بإتباع سلوك مهذب في الرد على الرسائل الواردة في الهاتف المحمول. إن في ذلك قصور وتقصير في التحدث بنعمة الله وتجليات هذا العصر الذي من سماته السرعة والتواصل وتبادل المنافع بين الأفراد والأمم والشعوب.أمتنا أمة لا تحسن إدارة الوقت ودونكم هذه العقود التي يمسك بعضها برقاب بعض منذ الاستقلال. إلى عهد قريب كان لدينا نظاماً بريدياً مدهشاً تمتع الناس فيه بصناديق البريد، وما لبث ذلك المشهد أن أصبح عنواناً لحضارة دارسة. من العجب أن مدى إحساس شعبنا بعامل السرعة وحيوية أن ننجز أعمالنا بلا إبطاء،لا يتجلى إلا في أدبياتنا الغنائية، فهناك ترسل معاني العشق عبر الحمام والنسيم «المارِّي»، فربما أمكن تعليم الأجيال مناهج إدارة الوقت عبر طرق دراسة الحالة الغرامية وفنان يصدح: مرسال الشوق يالكلك ذوق أغشى الحبَّان في كل مكان. وربما أتانا من الشمال طنبور مدوزن على نغمات التويتر : يا مريسيل(ماسنجر) من عندي روح أكتم الأسرار لا تبوح تلقى رايقة وجيها الصبوح النغيما بلابل الدوح ونراه هنا غير عابيء بجراثيم الحاسوب أو هجمات الهاكرز ومخترقي معاقل الشبكات الحصينة فالشبكة هنا قلب عاشق لا يعلم أسراره غير مقلب القلوب والأبصار.إن السودانيين يمتلكون بنية تحتية جيدة للإتصالات وأراهم يتفننون في اقتناء عوامل ووسائل السرعة والتقنية كزينة اجتماعية لا تمتد إلى ممارساتهم إيجاباً ، تنهال عليهم السنين وكلبهم باسط ذراعيه بوصيد عصر مضى لإصرارهم على البقاء في كهف يأبى الزمن إلا وأن يبث إشعاع النور الرقمي في أرجائه المظلمة.أيها الناس تعالوا إلى كلمة بيننا سواء أن نتحدث بلغة العصر الرقمي من قبل أن نصبح طللاً دارساً في عالم تقني يذهب فيه الزبد جفاءاً ويبقى ما ينفع الناس.