"حكامات السودان".. شاعرات يطفئن نار الحرب بقصيدة    منى مجدي: السلام رسالة وأنا معه حتى آخر العمر    الهلال يتأهل ويواجه الجيش الرواندى في نصف نهائي سيكافا    سفارة السودان القاهرة وصول جوازات السفر الجديدة    تبدد حلم المونديال وأصبح بعيد المنال…    ميسي يحقق إنجازا غير مسبوق في مسيرته    ترامب: الهجوم على قطر قرار نتنياهو ولن يتكرر مجددا    جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث الغارات الإسرائيلية على الدوحة    في الجزيرة نزرع أسفنا    الدعوة إلى حل الجيش السوداني: استنارة سلمية من جنا النديهة أم دعوة للانتحار الوطني؟    السودان..تصريحات قويّة ل"العطا"    اعتقال إعلامي في السودان    نوتنغهام يقيل المدرب الذي أعاده للواجهة    الصقور خلصت الحكاية… والهلال اليوم تبدأ الرواية    شاهد بالفيديو.. حسناء الإعلام السوداني تستعرض جمالها بإرتداء الثوب أمام الجميع وترد على المعلقين: (شكرا لكل من مروا من هنا كالنسمة في عز الصيف اما ناس الغيرة و الروح الشريرة اتخارجوا من هنا)    أعلنت إحياء حفل لها بالمجان.. الفنانة ميادة قمر الدين ترد الجميل والوفاء لصديقتها بالمدرسة كانت تقسم معها "سندوتش الفطور" عندما كانت الحياة غير ميسرة لها    شاهد بالصور.. مودل وعارضة أزياء سودانية حسناء تشعل مواقع التواصل بإطلالة مثيرة من "العين السخنة"    شاهد بالصور.. القوات المسلحة تتمدد والمليشيا تتقهقر.. خريطة تظهر سيطرة الجيش والقوات المساندة له على ربوع أرض الوطن والدعم السريع يتمركز في رقعة صغيرة بدارفور    شاهد بالصور والفيديو.. شاب سوداني يشعل مواقع التواصل الاجتماعي ببلاده بزواجه من حسناء تونسية وساخرون: (لقد فعلها وخان بنات وطنه)    شاهد بالصور.. القوات المسلحة تتمدد والمليشيا تتقهقر.. خريطة تظهر سيطرة الجيش والقوات المساندة له على ربوع أرض الوطن والدعم السريع يتمركز في رقعة صغيرة بدارفور    شاهد بالفيديو.. أطربت جمهور الزعيم.. السلطانة هدى عربي تغني للمريخ وتتغزل في موسيقار خط وسطه (يا يمة شوفوا حالي مريخابي سر بالي)    شاهد بالصورة.. محترف الهلال يعود لمعسكر فريقه ويعتذر لجماهير النادي: (لم يكن لدي أي نية لإيذاء المشجعين وأدرك أيضا أن بعض سلوكي لم يكن الأنسب)    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    بث مباشر لمباراة السودان وتوغو في تصفيات كأس العالم    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    والي الخرطوم يدين الاستهداف المتكرر للمليشيا على المرافق الخدمية مما يفاقم من معآناة المواطن    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    هذا الهجوم خرق كل قواعد الإلتزامات السياسية لقطر مع دولة الكيان الصهيوني    إيران: هجوم إسرائيل على قيادات حماس في قطر "خطير" وانتهاك للقانون الدولي    نجاة وفد الحركة بالدوحة من محاولة اغتيال إسرائيلية    ديب ميتالز .. الجارحى ليس شريكا    "فيلم ثقافي".. هل تعمد صلاح استفزاز بوركينا فاسو؟    «لا يُجيدون الفصحى».. ممثل سوري شهير يسخر من الفنانين المصريين: «عندهم مشكلة حقيقية» (فيديو)    التدابير الحتمية لاستعادة التعافي الاقتصادي    ضبط (91) كيلو ذهب وعملات أجنبية في عملية نوعية بولاية نهر النيل    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    تمويل مرتقب من صندوق الإيفاد لصغار المنتجين    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    مواعيد خسوف القمر المرتقب بالدول العربية    وزارة المعادن تنفي توقيع أي اتفاقية استثمارية مع شركة ديب ميتالز    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تفاصيل جديدة حول جريمة الحتانة.. رصاص الكلاشنكوف ينهي حياة مسافر إلى بورتسودان    قوات الطوف المشترك محلية الخرطوم تداهم بور الجريمة بدوائر الاختصاص وتزيل المساكن العشوائية    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    من صدمات يوم القيامة    "وجيدة".. حين يتحول الغناء إلى لوحة تشكيلية    فعاليات «مسرح البنات» في كمبالا حنين إلى الوطن ودعوة إلى السلام    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    أخطاء شائعة عند شرب الشاي قد تضر بصحتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سكان العصر الرقمي الأصليين والمهاجرين إليه ... تعريب: د عبدالرحيم عبدالحليم محمد
نشر في سودانيل يوم 19 - 06 - 2010


Digital Natives , Digital Immigrants
تعريب : د عبدالرحيم عبدالحليم محمد
معهد الدفاع للغات
-كاليفورنيا-الولايات المتحدة
هل تنتابك الرغبة في طباعة الرسالة الالكترونية التي ترد اليك ؟ اذا كنت مسئولا تنفيذيا فهل تطلب من السكرتير القيام بذلك أو تقوم بطباعة مستند موجود على الكمبيوتر للقيام بمراجعته يدويا بدلا من استخدام شاشة الكمبيوتر لذلك ؟ هل تقوم أحيانا بدعوة زميل أو صديق الى مكتبك لتريه موقعا الكترونيا مفيدا بدلا عن إرسال رابطه الالكتروني إليهم . هل تنتابك مخاوف مسبقة من استخدام الكمبيوتر وتستخدمه اذا اضطررت الى ذلك كشر لا بد منه؟ اذا كنت مدرسا أو محاضرا هل قاومت ذات مرة فكرة عرضها عليم مسئول أو زميل لإضفاء طابع المرح والتسلية والترفيه في درس معين رياضيات كان أو لغة أو هندسة ؟ اذا كانت اجاباتك نعم فأنت اذن من المهاجرين الى العصر الرقمي ولست من سكانه الأصليين وأن لكنتك الواضحة في استخدام لغة سكان هذا العصر بممارساتك تلك تجعل وضعك شاذا ومعقدا في هذا العصر ان لم تتعلم لغة سكانه وأساليبهم في التعلم.الترجمة التالية لمقال "سكان العصر الرقمي الأصليين والمهاجرين اليه يأخذ بيدك الى الاتجاه الجديد حتى لا تظل مثل أهل الكهف في العصر الرقمي؟
(المترجم)
انه لمن المحير حقا في كل ما نشهده من الهرج والمرج والجدل هذه الأيام عن انحدار التعليم في الولايات المتحدة ، أن يجهل الناس الأسباب الجوهرية التي أدت إلى ذلك فقد تغير طلابنا تغييرا جذريا فطلاب اليوم ليسوا أولئك الدارسين الذين بنى نظامنا التعليمي الحالي لمخاطبتهم.
لم يتغير طلاب اليوم تغييرا تدريجيا مقارنة بطلاب الأمس فحسب، أو غيروا ببساطة لكناتهم أو ملابسهم أو هيئات زيناتهم أو أنماطهم كما حدث بين الأجيال التي سبقتهم. لقد انبثق واقع فاصل ضخم قد يصفه الواحد منا بأنه واقع “متفرد"، كحدث غيّر الأشياء بشكل جوهري فلم يعد ممكنا على الإطلاق الرجوع إلى الخلف . ان هذا الذي نسميه تفردا هو وصول التقنية الرقمية وانتشارها بشكل متسارع في العقود الأخيرة من القرن العشرين.
ويمثل طلاب اليوم من المرحلة الابتدائية الى الجامعة أولى الأجيال التي ترعرعت في ظل هذه التقنية الجديدة فقد ظلوا طيلة حياتهم مستعملين و محاطين بأجهزة الحاسب الآلي وألعاب الفيديو وأجهزة الموسيقى الرقمية وكاميرات الفيديو والهواتف النقالة وكل اللعب والأدوات الناتجة عن العصر الرقمي . ان ساعات القراءة بالنسبة لخريج الجامعة اليوم تبلغ في متوسطها أقل 5000 ساعة في حياته لكنها تزيد عن 10000 ساعة على أجهزة ألعاب الكمبيوتر ( من دون أن نذكر 20000 ساعة في مشاهدة التلفاز) وتعتبر ألعاب الكمبيوتر والرسائل الالكترونية والانترنت والهواتف النقالة والرسائل الفورية أجزاء لا تتجزأ من حياتهم.
لقد بات جليا في ظل هذه البيئة ذات القدرة الشاملة وحجم تفاعل الطلاب معها أن أصبح طلاب اليوم يفكرون ويعالجون المعلومات بشكل يختلف اختلافا جوهريا عن أسلافهم . وتمتد هذه الاختلافات بشكل أعمق وأوسع مدى بشكل أكبر مما يعتقده رجال التعليم أو يدركونه.ان "الأنواع المختلفة من التجارب والخبرات تؤدي الى هياكل مختلفة من العقول" –كما يقول الدكتور بروس بيرى من كلية بيلورا الطبية . وكما سنرى لاحقا في الأجزاء التالية فان من المحتمل جدا أن عقول طلابنا قد تغيرت فسيولوجيا وأنها تختلف عن عقولنا نتيجة لكيفية نشأتهم . ولكن فيما لو كانت هذه حقيقة أم لا ، نستطيع القول بيقين أن أنماطهم في التفكير قد تغيرت وهذا ما سأوضحه لاحقا. ماذا يمكن أن نطلق على هؤلاء "الجدد" ...طلاب
عصر النت الرقمي Net generation الا أن أكثر الأوصاف فائدة كما وجدته لهم I, هو أهالي العصر الرقمي فطلابنا اليوم كلهم وطنيين أصليين في ويتحدثون لغة العصر الرقمي للحواسب الآلية وألعاب الفيديو والإنترنت.
لكن ماذا نسمي البقية منا؟ ان الذين لم يولدون في العالم الرقمي ولكنهم في لحظة تالية في حياتنا سحرتهم تقنية العالم الرقمي وتكيفوا على معظم نواحي استخداماته فهم بذلك على أحد طرفي المقارنة مع سكان العصر الرقمي الأصليين ، فهم مهاجرين الى العصر الرقمي. أن أهمية هذا التمييز تكمن في التالي : بينما يتعلم المهاجرون الرقميون ، شأنهم في ذلك شأن كافة المهاجرين بمستويات جودة متباينة من التعليم للتكيف مع هذه البيئة فنهم دائما يحتفظون بدرجة ما بلكنتهم أي رواسب الماضي . ويمكن ملاحظة لكنة المهاجر الرقمي في ممارسات منها أن يتجه الى الانترنت كمصدر ثاني لا أول للمعلومات أو قراءة دليل تشغيل لبرنامج ما بدلا من أن يفترض أن البرنامج نفسه يحتوي على كيفية التشغيل . ان الرفاق القدامى اليوم لهم تنشئة اجتماعية مغايرة عن أبنائهم وهم الآن في طور تعلم لغة جديدة وكما يخبرنا العلماء فان تعلم لغة في مرحلة متأخرة من الحياة يتجه الى منطقة مختلفة في الدماغ.
ان هنالك العديد من الأمثلة التي يمكن إيرادها وصفا لحال مهاجري العصر الرقمي مثال ذلك أن يقوم المهاجر بطباعة الرسالة الالكترونية أو أن يطلب من السكرتير القيام بذلك وربما يطلب عبر لكنة طاغية طباعة مستند على الكمبيوتر للقيام بمراجعته يدويا بدلا من استخدام شاشة الكمبيوتر لذلك ومن الأمثلة أيضا أن يقوم المهاجر بدعوة الناس الى مكتبه ليريهم موقعا الكترونيا مفيدا بدلا عن إرسال رابطه الالكتروني إليهم . أنني متأكد أن القارئ هنا يستطيع إيراد مثال أو مثالين عن نفسه دون كبير عناء . أما سؤالي أنا فهو سؤال يا طالما سألته عبر الهاتف لشخص ما "هل استلمت رسالتي الالكترونية"؟ ان بوسع المهاجرين الى العصر الرقمي منا بل وواجب علينا ذلك –أن نضحك على أنفسنا وعلى لكنتنا. أن هذه ليست مزحة فالأمر في غاية الجد لأن المعضلة الوحيدة التي تواجه التعليم اليوم هي أن المهاجرين الى العصر الرقمي من المدرسين يتحدثون لغة عفا عليها الزمن هي لغة سكان ما قبل العصر الرقمي محاولين جهدهم تدريس طلاب يتحدثون لغة مغايرة تماما ويكون هذا الأمر أكثر وضوحا بالنسبة لسكان العصر الرقمي الأصليين فيسود المدرسة أحساس أنها بصدد مدرسين يعانون من تأثير اللكنة كأجانب يعوزهم الذكاء أوتي بهم الينا كمحاضرين . الطلاب غالبا ما يقفون حائرين أمام فهم مقاصد المهاجرين الذين لا يعرفون عبارة مثل "اتصل رقميا". انه وما لم يكن منظوري هذا ممعنا في الراديكالية عوضا عن كونه وصفيا فقط يجدر بي أن أسلط الضوء هنا على بعض المشاكل فسكان العصر الرقمي الأصليين مغرمين بإجراء عمليات عدة تجري بالتوازي أو التعدد كما أنهم يفضلون الرسم البياني قبل النص وليس العكس وهم يفضلون الدخول العشوائي الى الشبكة بما يعرف بالهايبرتكست ويبلون بلاء حسنا حين تراهم متواصلين على الشبكة . ان من طباع هذا الجيل هو الرغبة في الحصول على الثناء الفوري والمكافآت المتكررة وهم أكثر ولعا بالألعاب مقارنة بالمهام الجادة فهل يبدو لك ذلك شأنا عاديا ؟ ان كافة المهاجرين الى العصر الرقمي هم أقل تقديرا لهذه المهارات الجديدة التي أكتسبها سكان العصر الرقمي الأصليين وبرعوا فيها عبر سنوات من التفاعل والممارسة وتبدو هذه المهارات في أغلب الأحوال بالنسبة الى المهاجرين دخيلة بالكامل في نظر المهاجرين الذين تعلموها أنفسهم واختاروا تدريسها ببطء خطوة فخطوة بأداء شيء واحد في وقت واحد بطريقة جادة. وكثيرا ما رأينا هؤلاء المهاجرين وهم يجأرون بالشكوى من أن طلابهم يعوزهم التكيف مع أساليبهم أو أنهم لا يقدرون الجهد الذي يبذله المعلم.
لا يصدق المهاجرون الى العصر الرقمي أن طلابهم يمكن أن يتعلمون بنجاح أثناء مشاهدتهم للتلفزيون أو الاستماع الى الموسيقى لأن المهاجرين لا يقدرون على ذلك. وكيف يصدقون ذلك وهم الذين لم يمارسوا هذه المهارة طيلة سنين تنشئتهم وتشكلهم . ان المهاجرين يعتقدون أن التعليم لا يمكنه ولا ينبغي أن يكون فكاهيا أو مسليا ولم لا يعتقد المهاجرون ذلك وهم الذين عاشوا سنين تكوينهم دون قضائها متعلمين عبر برامج تعليمية وفكاهية مثل "أفتح يا سمسم".
من سوء طالع مهاجري العصر الرقمي من المدرسين أن طلابهم الجالسين في فصولهم ترعرعوا في بيئة السرعة العالية لألعاب الفيديو وظلوا ملازمين لتلفازات العروض الموسيقية. لقد وطنوا أنفسهم على النصوص الفورية إرسالا واستقبالا ، تراهم عاكفين على تحميل القطع الموسيقية وتبادلها بينهم ...حملوا في جيوبهم هواتفهم النقالة ومكتبات بأكملها في حواسبهم الآلية المحمولة .لقد ظلوا سكان شبكة يتواصلون عبرها طيلة حياتهم وهم يضيقون ذرعا بالمحاضرات ومنطق الخطوة خطوة والتعليم القائم على عبارة مثل "دعونا نجرب"
ان مهاجري العصر الرقمي من المدرسين يفترضون أن الدارسين هم كما كانوا دائما وأن نفس الأساليب التي أثبتت نفعها للمدرسين عندما كانوا طلابا ستكون نافعة لطلابهم اليوم. غير أن ذلك الافتراض لم يعد سليما فطلاب اليوم مختلفين كما قال بذلك أحد تلاميذ رياض الأطفال مؤخرا أثناء فسحة الغداء كما ورد في موقع www.hungry.com . وكما أشتكى أحد طلاب الثانوية فانه وكلما ذهب الى المدرسة وجد أن عليه تخفيض الطاقة . هل المشكلة هي أن سكان العصر الرقمي الأصليين لا يستطيعون الانتباه أم أنهم لا يريدون ذلك؟ ان المشكلة غالبا كما يرى سكان العصر الرقمي هي أن مدرسيهم من المهاجرين الى العصر الرقمي يجعلون تعليمهم أمرا لا يستحق التركيز مقارنة بأى شيء آخر يتعرضون اليه كما أنهم ينحون باللائمة على مدرسيهم بأنهم لا ينتبهون!! ومن نافلة القول أن الطلاب لا يتلقون تعليم أساتذتهم وهنا يكشف أحد الطلاب السابقين عن تجربته فيقول أنه التحق بكلية مرموقة كافة محاضريها من معهد ماساتشوستسز التقني MIT ولكن كل ما يفعلونه حسب قوله أنهم يقرءون ففي المقام الأول قد يكون ذلك مستحيلا فقد تكون عقولهم مختلفة سلفا من كتب المنهج وكان ذلك مدعاة لخروجه من الكلية . وقبل فترة قصيرة من الزمن أثناء الفوران الذي أحدثه الانترنت وعندما كانت الوظائف وفيرة خاصة في المجالات التي كانت المدرسة تقدم فيها إسنادا متواضعا ، كان ذلك النوع من التدريس ممكنا و لكن يعود الفاقد التربوي لعصر الدوت. كوم اليوم الى المدارس حيث يتعين علهم أن يواجهوا مرة أخرى الانقسام بين المهاجرين والسكان الأصليين ومواجهة متاعب أخرى من جراء التجارب الأخيرة التي تعرضوا اليها مما يخلق المزيد من الصعوبة في تدريسهم في ظل وجود السكان الأصليين للعصر الرقمي سلفا في النظام التعليمي –في ظل الطريقة التقليدية.
أذن ماذا سيحدث؟ هل سيتعلم سكان العصر الرقمي الأصليين بالطرق القديمة أم سيتعلم المهاجرون الى العصر الرقمي من مدرسيهم الطرق الجديدة؟ للأسف ومهما كانت رغبات المهاجرين فليس من المحتمل أن يعود سكان العصر الرقمي الى الوراء . ان هذا يناقض كل ما نعرفه عن الهجرة الثقافية .أن الأطفال الذين يولدون في أى ثقافة جديدة يتعلمون اللغة الجديدة بسهولة ويقاومون بقوة استخدام اللغة القديمة . ان الأذكياء من كبار المهاجرين هم الذين يقرون بأنهم لا يعرفون عن عالمهم الجديد فيستفيدون من أبنائهم لمساعدتهم في التعليم والاندماج في العالم الجديد.أما غيرهم ممن لا يتمتعون بنفس الصفة أو المرونة من المهاجرين فهم الذين يقضون جل وقتهم يتغنون بجمال الحياة في "العالم القديم "
لذل فانه ما لم نكن نريد أن ننسى قضية تعليم سكان العصر الرقمي الأصليين الى أن يكبروا ويتولوا هذه المهمة بأنفسهم فقد بات لزاما علينا مواجهة هذه القضية حيث يتعين علينا في هذا الصدد إعادة النظر في المنهجية والمحتوى على حد سواء. أولا بالنسبة لمنهجيتنا : فلا بد للمدرسين أن يتعلموا التواصل بلغة وطريقة طلابهم وهذا لا يعني تغيير معنى الشيء المهم أو الذي يتضمن مهارات تفكير جيدة. ولكن ذلك يعني بالتأكيد المضي قدما بطريقة أسرع وتخفيف وتيرة الخطوة خطوة ... أن نحرص على توازي المهام وسيرها جنبا الى جنب مع الدخول المباشر للشبكة بدرجة أكبر بالإضافة إلى أشياء أخرى وربما سأل سائل من المدرسين : كيف ندرس المنطق بهذه الطريقة ؟" وبينما لا تكون الأجابة معروفة فمن المؤكد أننا نحتاج لأن نجدها.
ثانيا : المحتوى حيث يبدو لي أنه وبعد "التفرد" الذي صبغ العصر الرقمي فان هناك الآن نوعين من المحتوى هما المحتوى "التراثي" ( نقترض في هذا الخصوص مصطلح الكمبيوتر المستمد من النظم القديمة ) والمحتوى "المستقبلي". ويشتمل المحتوى التراثي على القراءة والكتابة والرياضيات والتفكير المنطقي وفهم كتابات وأفكار الماضي وهذه كلها من المنهج التقليدي .بالطبع هذه لا زالت مهمة ولكنها من عصر مختلف. بعضها مثل "التفكير المنطقي" سيستمر من حيث الأهمية ولكن البعض ربما مثلا " الهندسة الأقليديسية" سيكون أقل أهمية كما فعل اللاتينيين والإغريق.
ان المحتوى المستقبلي هو وبشكل أوسع –وليس ذلك بمستغرب --محتوى رقمي وتقني ولكن وبينما يشتمل على البرامج والمعدات وعلوم الروبوت و الجينوم الخ فهو أيضا يشتمل على الأخلاق وعلم السياسة والاجتماع واللغات وما يتعلق بها . ان هذا المحتوى المستقبلي محتوى في غاية التشويق بالنسبة الى طلاب اليوم ولكن كم مهاجر رقمي على استعداد وجاهزية لتدريسه؟؟ لقد اقترح علىّ أحدهم ذات مرة أن يسمح للتلاميذ فقط باستخدام الحواسب الآلية في المدرسة التي يبنونها هم بأنفسهم. ان هذه فكرة نيرة ممكنة التطبيق من وجهة نظر قدرات التلاميذ ولكن من سيدّرِس فيها؟
كتربويين ، علينا أن نفكر في كيفية تدريس كلا المحتويين التراثي والمستقبلي بلغة سكان العصر الرقمي الأصليين ويستلزم المحتوى الأول ترجمة وتغيير جذريين لمنهجية التدريس بينما يتطلب المحتوى الثاني كل المحتوى والتفكير الإضافيين الجديدين وليس واضحا في واقع الأمر بالنسبة لي أيهما الأصعب "تعلم مادة جديدة " أو "تعلم طرق جديدة لأداء مادة قديمة" ويساورني الظن بأن اللاحق هو الأصعب.
عليه فمن الواجب علينا أن نبتكر لكن ليس بالضرورة أن نبدأ من لا شيء. ان تكييف المواد لكى تلائم سكان العصر الرقمي الأصليين تم بالفعل سلفا وبنجاح . أن أفضليتي الخاصة لتدريس سكان العصر الرقمي الأصليين هو أن نبتكر ألعاب حواسب آلية لأداء المهمة حتى بالنسبة لأكثر المضامين جدية. فمهما يكن الحال فتلك أدوات تعود عليها معظم الدارسين.
قبل مدة ليست بالطويلة ، أتى الى مكتبي بعض المدرسين ومعهم برنامج تصميم مدعوم بالحاسب الآلي قاموا بتطويره للمهندسين الميكانيكيين وكان ما ابتكروه أفضل بكثير عما يستخدمه الناس حاليا لأنهم افترضوا أن كال العالم الهندسي سيقوم سريعا بالتكيف معه ولكن بدلا عن ذلك تعرضوا لمقاومة كبيرة نظرا للعمق الذي يتطلبه تعلم الجهاز وكونه يحتوي على مئات الأزرار الجديدة والخيارات والطرق للسيطرة عليه وإجادته. غير أن مسوّقي هذا البرنامج كانت لديهم فكرة نيرة فبعد أن لاحظوا أن مستخدمي هذا البرنامج كانوا في معظمهم مهندسين ذكور تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين عاما قالوا : لم لا نضع كيفية تعلم هذا البرنامج في شكل لعبة فيديو"؟ وعليه قمنا بابتكار لعبة فيديو تقوم فكرتها على نسق ألعاب " اللاعب مطلق النار " حيث يكون الممارس للعبة هو المحرك للعب وهو المتحمل لنتائجه" ويكون اللاعب في هذه اللعبة عميل استخباري سري مهمته حماية الفضاء من هجوم يقوم به متآمر شرير هو الدكتور مونكي رنش . الطريقة الوحيدة لهزيمة هذا الغازي الشرير تتم عبر برنامج الحاسب الآلي موضوع التصميم حيث يتعين على الدارس توظيفه لبناء الأدوات ، تحضير الأسلحة وتحطيم الفخاخ أو الشراك الخداعية . مدة اللعبة ساعة بالإضافة الى نصف ساعة مخصصة لأداء المهام التي ربما تطلب انجازها من 15 دقيقة الى عدة ساعات حيث يعتمد ذلك على خبرة كل فرد.
لقد حقت لعبة الفيديو تلك نجاحا منقطع النظير في إذكاء الرغبة لدى الناس لتعلم برنامج الحاسب الآلي فهو يستخدم اليوم بشكل واسع على نطاق العالم من قبل طلاب الهندسة ووجود ما يزيد عن مليون نسخة مطبوعة من اللعبة بمختلف اللغات . ولكن وبينما كان سهلا على موظفيّ من سكان العصر الرقمي الأصليين ابتكار اللعبة ، كان صعبا على المدرسين خلق المحتوى كيف لا وهم الذين تعودوا على تدريس "كورسات" تبدأ من "الدرس الأول –افتتاحية أو مقدمة " وقد طلبنا منهم عوضا على ذلك تطوير سلسلة من المهام المتدرجة التي تستبطن في داخلها المهارات الواجبة التعلم ، وعليه قام المدرسون بتطوير لقطات مدتها من 5الى 10 دقائق لإيضاح المفاهيم الأساسية فطلبنا منهم تخفيض المدة الى ما دون الثلاثين ثانية فأصروا على أن يقوم الدارسون بأداء كل المهام بالترتيب. طلبنا منهم تحقيق مهمة الدخول المباشر للعبة فطلبوا إبطاء الوتيرة التعليمية، طلبنا السرعة والعجلة وقمنا بتعيين محرر نصوص من هوليود لأداء ذلك ، فطلب المدرسون تعليمات مكتوبة..طلبنا أفلام كمبيوتر فطلبوا لغة تدريس تقليدية بعناصرها المعروفة مثل "أهداف الدرس " و "التمهيد " و"سوف تتعلم في هذا الدرس " وما إلى ذلك. لقد هدفنا إلى حذف أي لغة يشتم منها رائحة التعليم التقليدي.
في النهاية عاد المدرسون وموظفيهم إلى ما نصبو إليه بذكاء ، غير أنهم وبسبب كبر النقلة الذهنية المطلوبة أخذ الأمر منهم ضعف المدة التي توقعناها ومع معايشتهم لهذا التوجه ورؤيتهم لسيره ، فقد أصبح توجه سكان العصر الرقمي الجديد هو نموذجهم للمزيد والمزيد من التعلم خارج أطار اللعبة وداخلها كما ارتفعت وتيرة تطورهم بشكل دراماتيكي. أن المطلوب هو إعادة تفكير مماثلة وتطبيقها على كافة المواد وكافة المستويات. وبالرغم من أن معظم محاولات التعليم الترفيهي الى اليوم لم تنجح بالضرورة سواء من منظور التعليم أو الترفيه فان بمقدورنا حسب قراءتي للأمور النجاح وسوف نصل إليه .
في الرياضيات على سبيل المثال يجب الا يستمر الجدل متمحورا حول استخدام الحاسبات الآلية والكمبيوتر فهما جزء من عالم سكان العصر الرقمي الأصليين بل ينبغي أن يكون الجدل هو حول طريقة استخدامهما لتعزيز الأشياء الواجب استبطانها بدءا من المهارات والمفاهيم الأساسية الى جداول الضرب ولا بد أن يكون تركيزنا على رياضيات المستقبل بما يشمله من تقريب وإحصاء وتفكير ثنائي. وبالنسبة الى الجغرافيا التي هي كل شيء رغم تجاهلها هذه الأيام فليس هناك سبب يدعو جيل من الأجيال لحفظ خصائص وتاريخ النشوء والتطور لمائة شخصية من شخصيات البوكيمان بينما لا يستطيع تعلم الأسماء والتركز السكاني والعواصم والعلاقات ل101 أمة من الأمم في العالم فالأمر يعتمد على طريقة عرض هذه المسائل.
إننا بحاجة لأن نبتكر منهجيات رقمية أصيلة ملائمة للسكان الأصليين للعصر الرقمي لكافة المواد وكافة المستويات اهتداء بطلابنا لقيادتنا وقد بدأت هذه المسيرة سلفا فأنا أعرف محاضرين بالكليات يقومون بتطوير ألعاب لتدريس المواد تتراوح من الرياضيات الى الهندسة إلى تعلم اللغة الأسبانية ونحتاج الى أن نجد الطرق والوسائل الكفيلة بنشر وانتشار هذه النجاحات ووضعها بيد الناس.
هناك اعتراض يا طالما طرق أذني من التربويين من مهاجري العصر الرقمي ومفاده " ان هذا التوجه عظيم لنقل الحقائق ولكن لا سبيل الى تطبيقه في مادتي " . هذا قول مردود لا معنى له ولا يعدو عن كونه ضرب من التبرير والافتقار الى الخيال لذلك أستخدم في أحاديثي الآن عبارة " تجربة فكرية " حيث أدعو المعلمين والتربويين لاقتراح مادة أو موضوع وأحاول ذات اللحظة أن أبتكر لعبة الكترونية أو طريقة أخري من طرق سكان العصر الرقمي الأصليين لتعلمها. دعنا نذكر مثلا الفلسفة الكلاسيكية فهنا يمكنك تطوير لعبة يتجادل عبرها الفلاسفة و يتعين على الدارسين معرفة ما سيقوله كل منهم . دعنا نأخذ موضوع الهولوكوست فهنا يمكنك تطوير جهاز تشبيهي حيث يقوم الطلاب بتمثيل أدوار الاجتماع التاريخي في مدينة وانسي أو تشبيها يمارسون فيه الرعب الحقيقي لمعسكرات التركيز ويحسونه على النقيض مما ورد في بعض الأفلام مثل قائمة شندلر المستمد من كتاب قائمة شندلر وانه لنهج أخرس كسول من المعلمين ولا أقول غير فعال أن يفترضوا (رغم تقاليدهم ) ان طريقة المهاجر الرقمي هي الطريقة الوحيدة للتدريس وأن طريقة سكان العصر الرقمي الأصليين ليست قادرة كطريقتهم لاستلهام أى أو كل فكرة.
عليه فانه إذا أراد التربيون من مهاجري العصر الرقمي اللحاق بسكانه الأصليين المتمثلين في كافة جماهير طلابهم فانه ينبغي عليهم أن يتغيروا فقد حان الوقت بالنسبة لهم أن يوقفوا تذمرهم وكما يعكس شعار شركة نايكي عن جيل العصر الرقمي "فقط افعل ذلك" فإنهم سينجحون على المدى الطويل وسيكون نجاحهم قريبا إذا ما نالوا دعم الإداريين لديهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.