محير جداً أمر المعارضة السودانية، ففي الوقت الذي يتحدث فيه قادتها عن التغيير وإسقاط النظام تجدهم يعيشون حالة أقل ما توصف أنها دراماتيكية، فالخلافات أضحت ميزة حاضرة في أجندتهم، تنظر الى وسائل الإعلام فتجد الحديث المتكرر عن خططهم لتغيير النظام، ولكن تتفاجأ في اليوم التالي بتصاعد خلافاتهم في الهواء الطلق، وهو أمر أقل ما يوصف أنه يبعدهم عن قاعدتهم ويجعلوهم يدورون في دوامة التخفي خلف قناع الانسحابات المتكررة من الدخول في الانتخابات، فهي برغم دنو أجلها عبر التاريخ المعلن مسبقاً، إلا أن المعارضة السودانية ظلت تقدم نموذجاً يؤكد على تلاشيها أكثر من تماسكها. شهد شاهد من أهلها: الخلافات تجددت أكثر من مرة، وما أن يعلن زعماء المعارضة انتهاء خلافاتهم إلا وتعود الكرة من جديد هذه الحالة تركت أكثر من سؤال، وجعلت الكثيرون يتحدثون عن إمكانية قدرة المعارضة على إحداث تغيير داخل الدولة السودانية، لتأتي تصريحات الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي مؤكدة على عدم قدرة المعارضة على إحداث التغيير المرجو، ومنبهاً للخلافات العميقة بين أطرافها، حيث ذكر في حديث سابق أن القوى المتطلعة لنظام جديد بشكلها الحالي غير قادرة على تنظيم مائدة مستديرة، كما أنها غير قادرة على مهمة الانتفاضة المدنية «ولا هي إذا دخلت في تفاوض مؤهلة لادارة تفاوض فعال» وحذر من أن ذلك قد يسمح للنظام وسدنته بالاستمرار في التصور الواهن أن المعارضة ضعيفة ليتلمس من ذلك قوة لمواقفه المتآكلة» ووضع رئيس حزب الأمة جملة من النقاط التي عدها فعالة لتأهيل المعارضة لتحقيق أهدافها، على رأسها الاتفاق على لجنة تمهيدية يسند اليها الدعوة لبرلمان شعبي يضم كافة الفصائل، بجانب مهام تحديد النسب بين الأحزاب السياسية والقوى الأخرى بحسب الأوزان، وأشار لضرورة أن يسند للبرلمان المقترح مهام اختيار الرئاسة والعمل التنفيذي، ووضع النظام الأساسي لتلك القوى واسماً جديداً مناسباً لوظيفتها، وأضاف «الاسم الحالي لقوى التحالف تسمية بغير مسمى، واقترح أن يطلق عليها» جبهة قوى النظام الجديد، وشدد على أهمية أن يبنى العمل داخل التحالف على الأوزان والنسب، وكال الصادق المهدى عدداً من الاتهامات بالقصور لمعظم قادة المعارضة. وكان هناك سابقاً تباين واضح في وجهات النظر بين حزبي المؤتمر الشعبي وحزب الأمة حول كيفية التعاطي مع النظام الحاكم، حيث اتهم حسن الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي حزبي الأمة والاتحادي بمهادنة النظام وأن حزبه سيركز جهوده لإسقاط النظام وأنه ضد سياسة المهادنة معه التي ينتهجها حزبي الأمة والاتحادي، إلا أنه لا يرغب في انتقاد مواقفهما رغماً عن الخلاف حول هذا الأمر. تجميد وانسحاب:- قبل وقت مضى هدد حزب المؤتمر الشعبي بالانسحاب من تحالف "قوى الإجماع الوطني إن لم تتراجع وتتبرأ من وثيقة «الفجر الجديد» الموقعة في كمبالا مع «الجبهة الثورية» وهي التي جعلت كثيراً من مواقف الأحزاب تتباين حول موقفها من الوثيقة، ليكون ما حدث في الاجتماع الذي عقد مؤخراً للهيئة العامة للتحالف بشأن معالجة خلافات تنظيمات التحالف داخل الأطر التنظيمية، حديثاً يؤكد على دوران فلك التحالف في خلافات أخرى، حيث تقدم حزب البعث العربي بطلب لتجميد عضوية حزب الأمة القومي في قوى الإجماع الوطني، لكن مسؤول الإعلام بالتحالف الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر، عبد السلام قلل من تلك الخلافات واستبعد أن تتسبب في انفجار يهز أركان المعارضة، وأقر في الوقت نفسه بوجود أزمة ينبغي معالجتها حتى تكون قوة المعارضة موجهة لإسقاط النظام، وليس للصراع بين الأحزاب، وذلك عبرحديث سابق ذكر له بالصحيفة، وأرجع تلك الخلافات للتباين في الرؤى والأيدلوجيا للأحزاب ال(18) المكوّنة للتحالف، مما يجعل اتفاقها على كل القضايا أمراً صعباً.. وانتقد عمر ظاهرة تكرار الخلافات، داعياً لأهمية معالجتها داخل الأجهزة التنظيمية للتحالف، وما بين تهديد حزب المؤتمر الشعبي بالانسحاب والدعوة الى تجميد عضوية حزب الأمة القومي تظل حالة المعارضة في تؤهان مستمر أين الحل: يتفق الجميع على أن قوة الدولة في قوة المعارضة، فالمعارضة الحقيقية هي التي تعلي من قيمة الوطن، وتكون داعمة وفي نفس الوقت منافحة عن قضايا الشعب، وخير مدافع عن همومه وقضاياه، والمعارضة بشكلها الحالي لا تقدم النموذج الأمثل في الدفاع عن قضايا الوطن والشعب، الإمام الصادق المهدي أكد على أن المخرج الوحيد هو العمل ببرنامج الأجندة الوطنية.. وأضاف «لايوجد خيار آخر .. ولكن الضبابية تبقى في عدم وضوح الرؤى لتكتلات أحزاب المعارض فهي سوف تدور بين فلكي أحزاب المعارضة التي لا ترى في حزبي الأمة والشعبي شيئاً جميلاً يخدم خط التحالف، وما بين رؤية حزب الأمة في أن هيئة التحالف بشكلها الحالي لا تستطيع تقديم نموذج جيد لعدم وجود القاعدة التي يستندون عليها، فالتشاكس اصبح سمة مميزة لقادة المعارضة، فهل تصبح المعارضة على ذات المنوال حتى يعلن قادتها صباح عيد الانتخابات انهم تفاجأوا بالانتخابات وغير جاهزين لها ليكون الانسحاب ديدنهم من جديد.