تناقلت صحف الثلاثاء الماضي خبر لقاء لجنة العمل والمظالم بالمجلس الوطني، بقيادة د. الفاتح عز الدين رئيس اللجنة، مع السيد وزير المالية والاقتصاد الوطني، والذي تم منتصف هذا الاسبوع، وناقش جملة من القضايا الهامة والحساسة بل والخطيرة جداً. ü وفق تصريح رئيس اللجنة، الذي أدلى به لأجهزة الإعلام عقب الاجتماع مباشرة، فقد شمل البحث التجاوزات التي أشار إليها تقرير المراجع العام، وفي مقدمتها الإعتداء المتواتر على المال العام من قِبل جهات حكومية، بالإضافة إلى كيفية ضبط عمليات البيع والشراء والتعاقد التي تقوم بها أجهزة الدولة، وكذلك ضرورة إزالة المفارقات في الأجور، والتفاوت الكبير في شروط الخدمة، والمزايا والمخصصات، بالمركز والولايات. ü وبشرّ رئيس اللجنة الرأي العام السوداني، بأن هناك تفاهماً مع وزارة المالية، على تجفيف الشركات الحكومية، وعلى النظر في مفارقات الأجور، وإلغاء الإستثناءات، والإعفاءات الضريبية للمؤسسات العامة والشركات الحكومية. ü ولقد توّج الخبر، بالاتفاق على ترتيب اجتماع مُوسع يضم لجان المجلس ذات العلاقة، مع لجان نظيرة من وزارة المالية يعقد يوم الاربعاء بالمجلس الوطني لوضع برنامج زمني، وآليات للضبط والتدقيق، كما لم يفت على الأخ رئيس اللجنة تأكيد موقف الوزير القوي والشجاع تجاه استرجاع أي قرش حكومي، أُخذ ظلماً وعداوناً من أفواه الجياع واليتامى والأرامل. ü ولعليّ لا أكون مغالياً، إذا قلتُ إنني لم أفرح واغتبط لخبر في صحفنا اليومية سنين عددا، مثلما فرحت وطربت عند مطالعتي لتصريحات د. الفاتح عز الدين والسيد علي محمود، ذلك لأن الاستهتار بالقوانين والنظم، واستباحة المال العام، والجرأة على الحق، والعزة بالاثم، بلغ شأواً بعيداً في السنوات الأخيرة، وظل ديوان المراجعة العامة القومي يقدم التقارير تلو التقارير، ويدق ناقوس الخطر كل عام مالي، وهو يخاطب البرلمان بالارقام والشواهد والأدلة، مشيراً إلى مخالفات مالية خطيرة تتمثل في تجنيب الإيرادات، والصرف خارج الميزانية، ومفارقة النظم المحاسبية المقررة، فضلاً عن الاختلاسات وخيانة الأمانة، والتبديد والإهمال، وكان أعضاء المجلس ولجانه يثورون ويرغون ويزبدون، في كل مرة يخاطبهم فيها المراجع العام وهو يتأبط شراً، ويتطاير شرراً، ثم يهدأ كل شيء، ولا يحدث شيء، لدرجة أن الناس بدأوا في التعود والاعتياد ومعايشة التجاوزات، وإدمان الدعة والقبول والسكوت، حتى بلغ منهم اليأس والقنوط مبلغاً عظيماً، إلى أن جاء التحرك الأخير للجنة العمل والمظالم وهي ترفع سيف الحق والقانون في مواجهة الباطل والفساد. ü وللحق، فإن التساهل مع قضايا المال العام، أثر كثيراً على نظرة الرأي العام السودان تجاه نوابه وممثليه، بل وامتد الشعور بالاحباط لينال من هيبة ومكانة الهيئة التشريعية ذاتها كجهاز دستوري رفيع المنزلة والمكانة، أناط به الدستور حراسة مكتسبات الشعب والدفاع عن قضاياه عبر ممارسة الدور الرقابي لأعضاء البرلمان في مواجهة السلطة التنفيذية. ü وحتى لا نظلم البرلمان الحالي، يجدر بنا التذكير بأن ضعف الدور الرقابي، كان سمة بارزة في مسيرتنا التشريعية، والحلقة الأضعف في منظومة آليات الرقابة المحاسبة والحكم الرشيد، كلها. ü وكما اوضحنا في سلسلة حلقات سلفت من هذا العمود، تحت عنوان (وزراء في قفص الاتهام) لم ينجح برلمان سوداني واحد طيلة التجربة البرلمانية السودانية المتطاولة، في سحب الثقة عن وزير اخطأ أو تنكب السبيل، وأن الأمر كان ينتهي دائماً عند الاستجواب دون ان يتجاوزه لتقديم اقتراح بطرح الثقة في الوزراء، وكبار المسؤولين الذين أخطأوا في حق الشعب، أو كان اداؤهم دون المستوى. ü واذكر في هذا الصدد أن ورشة عمل عُقدت العام الماضي، وكان موضوعها الرئيس، كيفية رفع قدرات الجهاز التشريعي الرقابية ليقف نداً- إن لم يتقدم- على الجهاز التنفيذي، بحيث يستطيع أن يؤدي دوره الدستوري كاملاً في الرقابة على الإدارة والحكومة، انطلاقاً من نظريتي السيادة الشعبية، والديمقراطية التمثيلية أو النيابية. ü ولقد خلص الخبراء والأكاديميون والمشرعون ورموز المجتمع المدني الذين ساهموا وشاركوا في تلك الورشة، إلى أن ضعف الاداء الرقابي للمؤسسة النيابية، يرجع لأسباب عديدة وشائكة، منها الالتزام الحزبي، والتعصب الجهوي، وتفوق السلطة التنفيذية على التشريعية، من حيث الوصول للمعلومات، ووجود الكوادر الفنية المتقدرة، ووفرة المال والامكانيات البشرية والمادية الهائلة. ü وحيث أن الموضوعات التي اثارها رئيس لجنة العمل والحسبة من الأهمية والخطورة بمكان، فقد رأيت أن اتناولها تباعاً في الحلقات القادمة إن شاء الله.. إن كان في العمر بقية.