إن محصول البطاطس كمنتج زراعي قد أصبحت له أهميته الغذائية والاقتصادية بالسودان، وصار محصولاً زراعياً تعتمد عليه شريحة واسعة من المزارعين وخاصة بولاية الخرطوم، بمنطقة أهلنا الجميعاب بالريف الشمالي محلية كرري، رغم أن البداية في زراعة البطاطس قد ظهرت عند أهلنا الجميعاب بشرق النيل بمنطقة ود رملي والجيلي وواوسي، وما حولها من قرى، ويعود الفضل فيه هذا لزعيم القبيلة عمنا الناظر سرور محمد رملي، ويقال إنه من جاء بتقاوي البطاطس من الخارج، والشيخ سرور له الرحمة والمغفرة، قد أهلته ثقافته وعلمه، حيث أنه خريج كلية غردون التذكارية، فقد أصبح متطوراً في فهمه لأساليب الزراعة العلمية، وبما أن ولاية الخرطوم قديمة في زراعة البطاطس، ولكنها بكل أسف لم تتطور حتى الآن في انتاج البذور محلياً، ونحن مازلنا نستورد التقاوى في كل عام من هولندا.. وبما أننا بصدد الحديث عن زراعة البطاطس بمنطقة الجميعاب بغرب النيل، فإني استطيع أن أشيد بهذه المنطقة وأقول بكل ثقة إن هذه المنطقة تعتبر الآن- بجودة انتاجها وغزارته- مملكة البطاطس في السودان، وتحديداً منطقة الشهيناب.. حيث وقفت في الأسبوع الماضي على تجربة حديثة وفريدة، وقد كنت مدعواً من الأخ عمر خليفة صاحب هذه التجربة لأنه قد حظي بزيارة رسمية لمزرعته، وقد شرفها وفد مقدر بقيادة السيد وزير الزراعة ولاية الخرطوم المهندس ازهري خلف الله، وقد كان معه وفد من قيادة البنك الزراعي على رأسهم السيد المدير العام عوض عثمان، والسيد رئيس مجلس الإدارة، كما كان هناك عدد من أعضاء المجلس التشريعي بولاية الخرطوم منهم رئيس لجنة الزراعة، ورئيس اللجنة الاقتصادية أي أن الزيارة كانت محصورة في أصحاب الاختصاص التنفيذي والعلمي والتمويلي، وأهمية هذه التجربة كانت نموذجية بالنسبة للمزارعين، لأنه يتم الري فيها بواسطة ما يسمى بالري المحوري، والجانب المهم من هذه التجربة- وهي تقع في الجزء الغربي من الشهيناب- اي في الأراضي الخلوية والتي ظلت هي الحلم الأكبر لأهل الريف الشمالي، وقد أثبتت جودة تربتها لكل أنواع المحاصيل والأمل بأن يتوفر لها الري لتكون بديلاً عن الأراضي على شاطئ النيل، والتي نفدت خصوبتها بسبب تكرار الزراعة منذ مئات السنين، ومن خلال تجربة مزرعة عمر خليفة، فقد وجدنا هذه الأرض وهي تنتج البطاطس بمستوى جيد، وقد اتضح أن البنك الزراعي- وعلى لسان مديره العام- بأنه على استعداد لتمويل كل المزارعين، وهذا يوضح أن البنك الزراعي مشكوراً يقوم بواجباته نحو الزراعة ونحن مع هذه التجربة الفريدة كنا نتمنى من العقول التي تعمل ضد أهل الريف الشمالي بتحويل أراضيهم الزراعية الى سكنية، إرضاء للنازحين لولاية الخرطوم وكنا نتمنى لو أنهم قد شاهدوا نجاح الزراعة في هذه الأرض، وأملنا في السيد وزير الزراعة وقد شاهد نجاح التجربة بأن يقدم احتجاجه مطالباً بوقف هذه الهجرة الضارة بالمواطن والوطن بأكمله، كما أننا نأمل أن يستحي ممثلو الريف بالمطالبة بمد المهجرين بالخدمات تفكيراً في أصواتهم، بل عليهم أن يطالبوا بمشروع الترعة التي خطط لها واقترحها البروفيسور الأمين دفع الله عندما كان رئيساً للجنة الزراعة بالمجلس الوطني، اقتناعاً منه بأن سكان هذا الريف يستحقون مشروعاً سيكون في نصف مساحة مشروع الجزيرة.. هذا ما قاله البروف الأمين دفع الله، ووعد به في اجتماع كبير عقد بثلاجة السيد عمر خليفة، وفي حضور جودة الله عثمان وزير الزراعة آنذاك أنني قد سررت كثيراً عندما شاهدت تجربة مزرعة الأخ عمر خليفة.. وفي ذات الوقت قد انتابني الحزن الشديد عندما تذكرت الأراضي الزراعية غرب اسلانج والسروراب والنوبة، وهي قد تم احتلالها بل اغتصابها لقيام تجمع سكني كبير ليحل محل جمعيات تعاونية، ومشاريع زراعية بها شهادات بحث، وقد كانت فقط تنتظر الري ورغم رفضنا فلم نجد من يستجيب لمطالبنا بإبعاد هذه الهجرة الضارة، وفي ختام هذه الكلمات فإني أتقدم لأهلنا الجميعاب بالتهنئة الحارة على وقفتهم البطولية لحماية أراضيهم من النزوح الذي احتل مناطق الريف الشمالي في عام 1983 وأصبحوا الآن أصحاب حيازات مقننة.. أما أصحاب الوجود الأصلي قد أصبحوا الآن يبحثون عن قطع لاستيعاب حاضرهم ومستقبلهم وهم لا يجدون ذلك، ومن أسباب توطين النزوح البحث عن الأصوات من أجل الانتخابات، وأننا لا نملك إلا أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل. وأكرر التحية والتهنئة لأهلنا الجميعاب وللأخ عمر خليفة صاحب التجربة الرائدة الناجحة في زراعة البطاطس، ونتمنى المزيد من النجاح لأهل مملكة البطاطس بالسودان وهم أهلنا الجميعاب.