مثلي مثل ملايين الرجال السودانيين، أحلف مرات بالطلاق.. وذلك حين لا أجد ما أقوله سوى.. عليّ الطلاق.. وعزائي إنني أزعم إنني لا أحلف إلا صادقاً. والحليفة بالطلاق في شكلها الإيجابي تعني اعتزازاً كبيراً برابطة الزوجية.. وأنت لا تقسم إلا بشيء غالٍ ونفيس أو مقدس.. فحين تحلف بالطلاق هذا يعني أن زوجتك مقدسة حتى أن طلاقها يصبح عقاباً كبيراً وحزناً بل هو كارثة. ومرة أحرجني صديقي وقرة عيني التجاني سعيد، الشاعر السابق لعصره والمفكر الإسلامي المهول لكن الكسول.. والشغوف بالبحث والتحقيق لكن الصبور، والذي يبذل علمه إلا لمن أبى. وذلك إنه كان يقرعني بأنه مازالت تعتريني لوثة الشيوعية وأسرها.. وكنا قد اتفقنا على أن مرشح الحزب الشيوعي في آخر انتخابات التعددية الثالثة رغم صداقته لنا، ورغم ثقتنا في نزاهته وحرصه على قضايا الناس.. وإن كان يملك الثبات والمجابهة والتضحية.. على إنه لا يمكن أن يحقق فوزاً في هذه الدائرة. وكنت قد أدليت بصوتي ليس رغبة في التصويت، ولكن درءاً لملاحقة لحوحة من لجان انتخابات الأحزاب.. وأرهقني أن أكثر من حزب يرغبون في صوتي ويثقون في أنه سيكون لمرشحهم. فقال لي: لقد صوت لذات المرشح فأنكرت، فطالبني أن أحلف بالطلاق إنني لم أعطه صوتي.. وأخيراً فرح بضبطي متلبساً بالإنكار، فقال لي: أنت تحلف بالطلاق في أمور أتفه من هذه لماذا ترفض «الحلفان».. إذن فأنت منحت صوتك للرجل!! لم يقتنع التجاني بأن الحليفة بالطلاق حالة نفسية.. أو قل حالة لا شعورية.. لا استخدمها إنما هي التي تستخدمني.. وإنها تجئ بعد انفعال مشوب بالحيرة. وفي منتصف الثمانينيات كنا نعرف انتهازياً لا يتورع من التحالف مع الشيطان في سبيل مصلحته.. فادعى لنا إنه مطارد والأمن يراقبه، فما كان من صديقنا الفنان الكبير اليساري إلا أن إجابه قائلاً: عليّ الطلاق ما أصدقك. وفي غياهب صباي حضرت مشكلة بين رجل وزوجته، فتدخل الجيران وبعض الفضوليين في حل المشكلة.. ويبدو أن وجودهم أجج المشكلة فرمى الرجل عليها يمين الطلاق.. وقال لها: انت «يافكرية» طلقانه.. «فكرية ليس اسمها الحقيقى».. فصاح كمية من الناس: مرجوعة في مسماها.. وأطربتني هذه الكلمة وسمعت من أفتى بأن استخدام عبارة «مرجوعة في مسماها» تجب الطلاق وتجعله كأن لم يكن.. وهي فتوى غير موثوق فيها.. لكنني منذ ذلك اليوم أصبحت أمنيتي أن أحضر شكلة بين رجل وزوجته فيقول لها «يارمزية انت طلقانة» «رمزيه اسم حركي لإمرأة ما» فأقول مرجوعة في مسماها، لكن حتى لحظة كتابة هذا الموضوع لم يحدث ذلك. فربما الطلاق أصبح لا يحتاج إلى «شكلة» ربما يعزم الرجل زوجته عشاء في مطعم فخم ثم يقول لها: أنا بفتكر إنو نتطلق وكده.. أو يارمزية أفتكر لو اطلقنا يكون أحسن.. أو يبعث لها رسالة عبر الموبايل يامن كنت زوجتي لأنني طلقتك، وأتمنى لك فرصة أخرى مع زوج أحسن مني!!