لا شك أن الشغف بلعبة كرة القدم يتجاوز الحدود الجغرافية والوطنية والثقافية والنوع والطبقات الاقتصادية والاجتماعية، هذا الشغف في تزايد مستمر مع الازدياد المستمر لمشاهدي هذه اللعبة في كل الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.. إن الرياضة عموماً وكرة القدم على وجه الخصوص كانت ولأمد طويل باعثاً للروح القومية ومدعاة للتفاخر بطول القارة الأفريقية.منذ ثمانينات القرن الماضي صارت اللعبة استعراضاً مجزياً تدر دخولاً وأرباحاً ضخمة لبعض المشاركين فيها. كما أن صناعة الدعاية والإعلان تستخدم هذا الاستعراض لتسويق السلع والبضائع والخدمات.. تشكل عوائد الرعاية وحقوق البث الإعلامي، وترويج البضائع مورداً مالياً مهماً لتمويل تنفيذ هذا الاستعراض.. إن أكبر المستفيدين في هذا السوق هم أندية المحترفين الأوربية، ووكلاء اللاعبين الذين يتقاضون دخولاً ضخمة، من عمليات انتقال الرياضيين.. تسود مصالح الربح والمكسب الخاصة على مصالح الاتحادات الرياضية والحكومات والشعوب. تقوم أندية المحترفين في مختلف أنحاء العالم باستخدام أعداد متزايدة من اللاعبين من أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا للعب معها.. إن الدافع الرئيسي الذي يكمن وراء ذلك هو السعي للربح والمكسب.. كنتيجة للتسليط الإعلامي المبالغ فيه على لعبة كرة القدم ولاعبي كرة القدم الأفارقة على وجه التحديد، الذين أصبحوا نماذج تحتذى، نجد الملايين من الشباب يحلمون بمغادرة بلدانهم لممارسة هذه اللعبة.. كما أننا نجد أن لعب كرة القدم في العديد من الدول الأفريقية جنوب الصحراء أصبح حرفة جاذبة تمتهن.. لا يمكن استثناء السودان من هذه القاعدة. يقوم الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بتنظيم وإدارة هذه الصناعة، تشير الإحصاءات إلى أن عدد الأندية المنضوية تحته يبلغ 300.000 نادي تضم في عضويتها حوالي 240 مليون لاعب، ثلاثون مليوناً منهم من النساء. تشكل أندية المحترفين المخدم الرئيسي في هذا السوق.. كما أن الاتحاد الدولي للاعبي كرة القدم المحترفين والذي هو بمثابة النقابة التي ترعى مصالح أعضائها يشكل الضلع الثالث لهذا السوق.تعود نشأة سوق عمل لاعبي كرة القدم العالمي لخمسينيات القرن الماضي عندما قام ثلاثة من اللاعبين الهنغاريين اللامعين آنذاك هم بوكا- ودي ستيفانو- وبوشكاش- بالانتقال للعب مع فريق ريال مدريد الأسباني. ومنذ ذلك التأريخ وحتى نهاية القرن، طرأت العديد من التطورات على نظام انتقال اللاعبين على المستوى الدولي. في سنة 2000 قامت 77 دولة أفريقية وكاريبية وباسيفكية بتوقيع اتفاقية كونتونو(كونتونو مدينة بجمهورية بنين) التي سمحت بانتقال الرياضيين من هذه الدول لممارسة الرياضة في دول الاتحاد الأوربي، تحت مسمى ما عرف بالدمج أو ما عرف لاحقاً بالتجنيس.. كانت النتيجة سوق عمل عالمي للمواهب الرياضية. هناك عاملان أساسيان يحكمان تطور سوق عمل لاعبي كرة القدم العالمي:فمن وجهة نظر أندية المحترفين الأوربية نجد أن استخدام لاعبين من أفريقيا وأمريكا اللاتينية يكلف أقل بكثير مما يكلفه استخدام اللاعبين الأوربيين كما سيتبين لاحقاً.. كما يمكن لهذه الأندية بيع مواهب هؤلاء اللاعبين مستقبلاً وتحقيق أرباح رأسمالية، لهذا السبب قامت هذه الأندية بتطوير شبكات عالمية متقدمة ومعقدة للبحث عن اللاعبين الموهوبين. لا يقتصر عمل هذه الشبكات على البحث عن اللاعبين المحترفين فحسب، بل البحث عن المواهب الواعدة والتي يمكن تدريبها لاستخدامها مستقبلاً. لذلك قامت الكثير من هذه الأندية بتأسيس مدارس داخل بلدانها وخارجها لتطوير هذه المواهب لتقليل الآثار التي يسببها تضخم أسعار اللاعبين. - ومن وجهة نظر اللاعبين في الدول الأقل نمواً نجد أن الفرص المتاحة لكسب أجور أعلى في غرب أوربا تشكل عامل جذب رئيسياً، إن الفقر وضعف البنيات الأساسية وضعف أنظمة التعليم ونظم الاحتراف والفساد في هذه الدول يشجع اللاعبين الموهوبين للبحث عن فرص العمل والاستخدام في أوربا وشجع ذلك على قيام الكثير من مدارس كرة القدم بطول وعرض القارة الأفريقية، بجانب ما يتوفر لهم من حياة أفضل مما هو عليه الحال في بلدانهم تتاح لهم الفرصة لممارسة مهنتهم في بيئة أفضل تتوفر فيها أحدث إمكانات الإشراف والرعاية الصحية والتدريب. من العوامل التي ساعدت على تسارع وتيرة نمو هذا السوق القرار الذي صدر من محكمة العدل الأوربية في 15 يناير 1995 في قضية اللاعب البلجيكي بوزمان ضد نادي «أر. إف. سي» الذي كان يلعب له، أراد بوزمان في عام 1990 عندما انتهى عقد عمله مع هذا النادي الانتقال للعب مع فريق دنكيرك الفرنسي، رفض نادي «أر. إف. سي» إطلاق سراحه لأن نادي دنكيرك لم يدفع تعويضاً كافياً. قضى قرار المحكمة في ثلاثة أمور مهمة كانت لها آثار كبيرة على سوق عمل لاعبي كرة القدم: 1. يصبح أي لاعب حراً في الانتقال من نادٍ إلى آخر عندما ينتهي عقد عمله دون دفع أي تعويض للنادي الأصلي. 2. يسمح لأندية دول الاتحاد الأوربي باستخدام أي عدد من اللاعبين من داخل دول الاتحاد. 3. منع الاتحادات الأوربية المحلية والاتحاد الأوربي لكرة القدم من فرض حصص لللاعبين الأجانب المسموح بتسجيلهم في الأندية المنضوية إليها. كانت الاتحادات الأوربية والاتحاد الأوربي لكرة القدم تفرض آنذاك حصصاً تحدد عدد اللاعبين الأجانب المسموح بتسجيلهم كما هو الحال في السودان الآن، كما أن الاتحاد الأوربي لكرة القدم كان يفرض في المنافسات التي يقوم بتنظيمها «خاصة منافسة كأس الأندية الأبطال وكأس الاتحاد» ألا يزيد عدد اللاعبين الأجانب في أي مبارة عن ثلاثة لاعبين أجانب. كان لهذا القرار انعكاسات مهمة على سوق عمل لاعبي كرة القدم العالمي يمكن تلخيص أهمها فيما يلي: 1. حصل الاتحاد الدولي للاعبي كرة القدم المحترفين الذي تأسس عام 1966 باعتراف كل من الفيفا والاتحاد الأوربي لكرة القدم مما زاد من القوة التفاوضية للاعبين. 2. ارتفعت أجور اللاعبين بصورة درامية، ففي الدوري الإنجليزي والإيطالي ارتفعت الأجور إلى أربعة أضعاف وإلى ثلاثة أضعاف في الدوري الفرنسي، كما أن الأجور في الدوري الألماني شهدت نمواً، أشارت إقرارات الدخل السنوي في إيطاليا في سنة 2000 إلى أن 85 من لاعبي كرة القدم في الدوري الإيطالي كانوا من ضمن أعلى 500 دخل، فمثلاً جاء الساندرو ديلبرو في الترتيب الثالث عشر بدخل بلغ 12 مليون يورو متقدماً على سيلفيو برلسكوني رئيس الوزراء ونادي أى سي ميلان الذي حل في المرتبة الرابعة والعشرين بدخل بلغ 8.3 مليون يورو. إن الزيادة الكبيرة في أجور اللاعبين يصعب الوفاء بها في المدى البعيد، ففي بعض الحالات نجد أن أجور اللاعبين تزيد عن دخل الأندية. 3. أدى ذلك إلى تغيير كبير في حركة انسياب رؤوس الأموال، فبدلاً من تدوالها بين الأندية نجد أن هنالك جزءاً كبيراً من هذه الأموال ينتهي في جيوب اللاعبين ووكلائهم. تتفاوت أجور لاعبي كرة القدم المحترفين بصورة درامية، فبعض اللاعبين يتقاضون ملايين الدولارات وبعضهم يتقاضى أجوراً ضعيفة. يختلف تحديد وتوزيع الأجور من نادٍ إلى نادٍ واتحاد إلى اتحاد وكونفدرالية إلى كونفدرالية، يقدر متوسط أجر لاعبي كرة القدم المحترفين في الأندية الأوربية حالياً بحوالي 1.000.000 يورو سنوياً رغماً عن الوجود الكثيف للاعبي أمريكا اللاتينية وأفريقيا في الأندية الأوربية إلا أن اللاعبين الأوربيين يتقاضون أعلى الأجور، فمن بين أعلى 35 أجراً يتقاضاها اللاعبون المحترفون نجد أن اللاعب صموئيل ايتو والذي يتقاضى أجراً سنوياً يبلغ حوالي 9 ملايين يورو هو اللاعب الأفريقي الوحيد ضمن هذه القائمة.إن الفارق الضخم بين الأجور التي تدفعها الأندية الغنية لشراء اللاعبين الموهوبين أدت إلى ازدياد حركة الانتقال من الأندية الفقيرة إلى الأندية التي تدفع أكثر مما أدى إلى زيادة الهوة في الموهبة بين هذه الفرق. ü خبير اقتصادي