وتشاء الأقدار أن أسلك طريقاً ما كان في خاطري يوماً.. ومنذ الصبا الباكر.. وفي فجر شبابي فقد كنت شديد الإعجاب بمهنة المحاماة.. كنت أنظر إلى تلك القامات الشاهقة والتي يلفها الوقار والمهابة ويلتف حول أجسادها المضيئة «الروب» الذي يعلن في إضاءة.. ويفصح في إبانة ويتحدث في طلاقة.. أن هذا الذي يعتمر الروب هو من حراس القانون.. بل هو صمام أمان العدالة.. والحارس الأزلي للدول والناس والمجتمعات.. كانت المحاماة حلمي وأمل حياتي.. ولكن قدر الله وما شاء الله فعل.. لم أدع الحسرة تأكلني.. ولا الفشل يقعد بي.. بل ظللت أتابع في انبهار حركة المحامين الدؤوبة.. داخل الوطن وخارجه.. في قصص الأحداث والحوادث المكتوبة والمصورة والمبثوثة.. كنت من الذين «لا يفوتهم» «فيلم» في السينما.. في تلك الأيام المبهرة.. عندما كانت العاصمة.. تضيء فيها عشرات «الشاشات» التي تجذبنا إليها كما تنجذب الفراشات إلى النور وأحياناً إلى النار.. كنا نغسل إرهاق اليوم الطويل والعنت المرهق.. في تلك الصالات التعليمية الفاخرة.. ونحن نتابع في متعة صور قاعات المحاكم الوقورة والقضاة بشعرهم المستعار الذي يفيض جلالاً ووقاراً والمتهمين خلف قضبان الأقفاص والمحامي ينتصب كما صاري المركب.. ينثر حروفاً ويلون القاعة بروائع التعابير ويحشد فضاء القاعة بجزالة الحروف وأحياناً يصنع بفرشاة الكلمات أنغاماً وطرباً وألحاناً وإبداعاً.. وهل ننسى «فيلم» محاكمة النازيين في «لورمبرج» و«مونتقمري كليفت» و«ماكسمليان شل» وفاتنات وبهاء فنانين. تلك أيام رحلت وأماسي غابت في أحشاء التاريخ.. استدعيتها من مخزون ذاكرتي وأنا اتأهب إلى الحديث عن المحامين في بلادي.. وقد تبلغ بي الجرأة لأنصح أحبتي من الإخوة المحامين.. بل قد يبلغ بي «التهور» إلى انتقاد بعض المحامين.. ثم قد أنزلق إلى حواف أو قلب الجنون.. لأصدر الأمر لبعض المحامين.. ولكن لماذا وكيف ذلك.. ونبدأ الحكاية من أول الشوط لأقول.. بما أنني أجهل ضوابط مهنة المحاماة تماماً كجهلي بأجهزة الطرد المركزي.. دعوني اسأل الأحبة المحامين.. هل القانون يلزم المحامي بأن يقدم العون لكل طالب عون.. لكل طارق.. لكل زائر.. ثم هل يمكن أن أرفض أن أترافع عن متهم لدواعٍ أخلاقية.. ثم هل إذا تعارض فعل متهم طلب مني العون مع قناعاتي ومعتقداتي وأخلاقي.. هل أرفض أن أترافع وأدافع.. وأقدم له العون.. وقبل أن أتلقى الإجابات عن هذه الأسئلة.. دعوني أبدأ «بالجرأة» لاسأل.. هل يعقل أن أدافع عن قاتل اقتحم مكتبي.. يطلب العون القانوني والترافع عنه وما زال دم ضحيته يقطر من «سكينه» والاعتراف بالقتل ينهمر من لسانه.. هل يمكن في هذه الحالة أن أترافع عنه.. وإذا فعلت ذلك هل يمكن أن «أنسجم» مع نفسي عندما أخلو بها.. بل كيف أنظر حينها إلى نفسي وأنا أحاول جاهداً أن يفلت قاتل من حبل المشنقة؟ نعم هذا سؤال جريء.. والآن إلى التهور والجنون.. وهنا أنا لا اسأل.. ولا انتظر شرحاً.. ولكني أقفز تماماً في دائرة «الأوامر» الصارمة.. والطلبات الملحاحة الملحة.. لأقول للأحبة المحامين.. أناشدكم واستحلفكم بكل عزيز وغالٍ.. وأرجوكم رجاءً حاراً.. بل عاصفاً ومزمجراً.. بالله عليكم جميعكم.. لا تترافعوا.. لا تقدموا العون القانوني.. لا تكونوا محامين لأي مجرم وحش كاسر في جرائم اغتصاب الأطفال.. هذا أمر لا أفهمه مطلقاً.. دعوا مثل هؤلاء يدافعون عن أنفسهم المنحطة الشريرة بأنفسهم.. بألسنتهم.. إنهم لا يستحقون شرف العون والدفاع..