رغماً عن التشريعات التي تبناها الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» في عام 2001 والتي تمنع انتقال لاعبي كرة القدم الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة بين الدول لممارسة مهنة لعب كرة القدم، إلا أن الأمر ما زال تكتنفه الكثير من التعقيدات ويثير الكثير من الجدل خاصة من الساخطين على ممارسات الإتجار بأحلام الصبية الصغار في أفريقيا وأمريكا اللاتينية بواسطة أندية المحترفين والكثير من سماسرة اللاعبين في هذه المناطق الزاخرة بالمواهب، والتي أصبحت تشكل مخزوناً إستراتيجياً من العمالة الرخيصة لصناعة كرة القدم العالمية. كما أن الأمر الآن يخضع لتعديل الكثير من قوانين دول الاتحاد الأوربي لإيجاد معادلة تقلل من التجاوزات التي تحدث من أطراف هذه الصناعة والتي يصر القائمون على أمرها على أن خصوصيتها تستلزم استثناءها من أحكام هذه القوانين عندما تتعارض مع القوانين التي تنظمها. يتفق عدد كبير من خبراء كرة القدم على أن استجلاب هذه الأعداد الكبيرة من اللاعبين صغار السن من الأسواق الأجنبية للعب مع أندية المحترفين الأوربية يؤدي إلى إفقار منافسات الشباب في دول المصدر وإضعاف مستوى اللعبة في هذه البلدان على المدى البعيد، كما أن ذلك يؤدي في بعض الأحيان إلى إضعاف نتائج الفرق القومية للدول المضيفة لهؤلاء اللاعبين ودول المصدر في المنافسات العالمية على حد سواء. أدى ازدياد أعداد اللاعبين الأجانب صغار السن المستجلبين لأكاديميات أندية الدوري الممتاز الإنجليزي على وجه الخصوص، إلى ازدياد سخط ميشيل بلاتيني رئيس الاتحاد الأوربي لكرة القدم والذي قام في عام 2008 وبمساندة سيب بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم بدعوة المفوضية الأوربية لفرض إيقاف كامل لحركة انتقال لاعبي كرة القدم صغار السن في السوق العالمي. بينما تمنع قوانين الاتحاد الأوربي الاتحاد الدولي لكرة القدم من تبني أي تشريعات من شأنها إيقاف حركة تنقل لاعبي كرة القدم المولودين داخل دول الاتحاد الذين تزيد أعمارهم عن ثمانية عشر عاماً ولاعبي كرة القدم الأجانب القادمين من القارات الأخرى المستوفين لشروط الاستخدام في أوربا والذين تستخدمهم أندية المحترفين، لا نجد أي تشريعات حازمة تحمي اللاعبين الذين تقل أعمارهم عن ثمانية عشر عاماً. إن المادة 19 من قانون الاتحاد الدولي لكرة القدم التي تنظم انتقال اللاعبين صغار السن تمنع انتقال اللاعبين الذين تقل أعمارهم عن ثمانية عشر عاماً بين الدول، يرى البعض أن هذا التشريع يتعارض مع القيم الأساسية المتمثلة في حق أي شخص في السعي للبحث عن السعادة وحقه في العمل وممارسة الرياضة، كما أن هذا التشريع يخضع لثلاثة استثناءات مهمة: 1. إذا كان اللاعب يعيش على بعد أقصاه 50 كيلومتراً من ناديه الجديد. 2. إذا انتقل والدا اللاعب إلى البلد الذي يوجد فيه النادي الجديد لأسباب لا تتعلق بممارسته لكرة القدم. 3. إذا كانت حركة انتقال اللاعب داخل دول الاتحاد الأوربي و كان عمره أكثر من 16 عاماً. واحدة من الثغرات التي لم يستطع التشريع تغطيتها رغماً عن ضعف تأثيرها ترتبط بأعمار اللاعبين، فمن بعض الممارسات الخطيرة التي يقوم بها سماسرة اللاعبين التلاعب بأعمار اللاعبين وتزوير جوازات السفر. تشير الإحصاءات إلى أنه هناك أكثر من 1000 حالة ضبط لجوازات سفر اللاعبين المهاجرين للعب في أوربا، لا تصعب مثل هذه الممارسة في بلدان المصدر في أفريقيا وأمريكا اللاتينية حيث يتفشى الفساد، كما أنه من الصعب التحقق من صدق انتقال أولياء أمور اللاعبين لأسباب لا تتعلق بممارسة مهنة لعب كرة القدم كما يصعب إثبات حالة الاستثناء. ثغرة أخرى نفذ منها سماسرة اللاعبين تتمثل في نشاط أكاديميات كرة القدم التي أنشئت في بعض دول غرب أفريقيا، معظم هذه الأكاديميات لا تخضع لسلطة اتحادات كرة القدم في هذه البلدان، فعلى سبيل المثال نجد في السنغال أكثر من 160 مركزاً للتدريب لا تخضع لسلطة القوانين السنغالية، كثيراً ما تشارك هذه الأكاديميات في منافسات خارج المنافسات الرسمية كما أنها كثيراً ما تلبي دعوات لمنافسات عالمية، يستغل سماسرة اللاعبين هذه المنافسات لعرض اللاعبين صغار السن للمشترين المحتملين، على هذا النحو يتجاوزون كل القوانين والإجراءات التي صممت لحماية اللاعبين صغار السن، كما أنهم في مثل هذه الحالات غير ملزمين بالحصول على تراخيص من اتحادات هذه البلدان كما أنهم غير ملزمين بدفع تأمين لأخذ هؤلاء اللاعبين للاختبار خارج بلدانهم، هذا بالإضافة إلى أن مثل هؤلاء اللاعبين لا يحتاجون إلى شهادات الانتقال. هناك أمر مهم تضمنته سياسات الاتحاد الدولي لكرة القدم فيما يتعلق بانتقال اللاعبين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و18 سنة داخل دول الاتحاد الأوربي حيث تلزم هذه السياسات الأندية بتوفير أعلى مستوى من التدريب حسب المعايير المحلية لكل بلد، كما أنها تلزم الأندية بتوفير تعليم أكاديمي أو تدريب مهني لتمكين اللاعب من ممارسة مهنة أخرى عندما يتوقف عن ممارسة لعب كرة القدم. في إطار قوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم نجد أنه خلال السنوات الأخيرة تم استقطاب أعداد كبيرة من لاعبي كرة القدم الأفارقة ومن أمريكا اللاتينية لأكاديميات كرة القدم التابعة لأندية المحترفين الأوربية، يعود تأريخ هذه الهجرة إلى ثمانينيات القرن الماضي وارتفعت معدلاتها بعد منتصف التسعينيات عندما تحول سوق عمل لاعبي كرة القدم إلى سوق عالمي، وفي الوقت الحاضر نجد أن أندية المحترفين الأوربية ما زالت تلهث وراء الاستبدال المستمر للنجوم الكبار الذين هم في حالة حركة دائمة داخل هذا السوق مع ارتفاع مستمر في أجور هؤلاء النجوم بمواهب من دول العالم الثالث أقل تكلفة وأصغر سناً. تشير الإحصاءات إلى أنه خلال العقد الماضي انتقل 4.809 لاعباً أجنبياً تتراوح أعمارهم بين 6 - 16 سنة من أفريقيا وأمريكا اللاتينية إلى إيطاليا وحدها، وفي سويسرا قامت سلطات الهجرة بمقاضاة 33 نادياً لمخالفتها لقوانين الهجرة السويسرية وذلك باستجلاب لاعبين صغار السن من أفريقيا وأمريكا اللاتينية. ما زالت الأندية البلجيكية تستخدم كحاضنات تفريخ لتدريب لاعبي كرة القدم الأفارقة صغار السن قبل انتقالهم للعب في دوري أندية دول الاتحاد الأخرى. يتصيد السماسرة هؤلاء اللاعبين في حواري عواصم دول غرب أفريقيا والمناطق الريفية بدعوتهم للاختبار مع الأندية الأوربية، في حالة نجاح اللاعب في الاختبار يتم التعاقد معه وفي حالة الفشل يهجر بواسطة النادي والسمسار بدون عقد عمل أو تذكرة عودة لبلاده، ويصبح عاملاً مهاجراً بدون إذن إقامة أو عمل وعرضة لملاحقة الشرطة. لم تفلح قوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم لكبح جماح سماسرة اللاعبين وتقليل تأثيرهم في زيادة حجم هذه المشاكل، تشترط قوانين ال«فيفا» الشروط التالية لكل من يريد أن يعمل في هذا المجال: 1. أن يكون سجله الإجرامي نظيفاً. 2. أن يخضع لموافقة اتحاد كرة القدم في بلده. 3. أن يودع تأميناً يتم تقديره حسب الإيرادات السنوية للوكيل بما لا يقل عن 100.000 فرنك سويسري إما ببوليصة تأمين أو خطاب ضمان بنكي أو نقداً. رغماً عن ذلك لم يمتنع هؤلاء السماسرة من سوء استغلال الثغرات الموجودة. لا يبدو أن المنع الكامل لانتقال هؤلاء اللاعبين هو الحل الأمثل لمعالجة هذه المعضلة، حيث إن المنع الكامل حتماً يؤدي إلى البحث عن الأعذار للحصول على وضع استثنائي في إطار قوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم السارية أو خلق سوق أسود. إن الاتحاد الدولي لكرة القدم لا يألو جهداً في تقليل الآثار السلبية لمثل هذه الممارسات غير المرغوب فيها، يقوم الاتحاد الدولي بتوزيع عائدات ضريبة التضامن البالغة 5%من قيمة عقودات انتقال اللاعبين بين الأندية التي تتولى تدريب اللاعبين بين سن 12 إلى 23 سنة. كذلك يرى بعض الخبراء أن تحجيم استخدام اللاعبين الأجانب لا يمكن أن يكون الحل الصحيح و الأمثل إلا إذا صحبته سياسات واضحة لتشجيع تدريب اللاعبين المحليين بدلاً من الاعتماد على الميزات التفضيلية التي تتوفر في الدول الفقيرة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية المتمثلة في توفر مخزون كبير من اللاعبين صغار السن الموهوبين الراغبين في احتراف مهنة لعب كرة القدم وانخفاض تكلفة التدريب في هذه الدول. خبير إقتصادي