اسبغت على والديها «كمال السنوسي وزهرة».. مناهل من قطر حنانها وبرها بلا انقطاع تسعة عشر عاماً إلا أيام.. قضتها الشابة الجميلة طالبة الهندسة بجامعة التقانة في حضن والديها.. تتفانى محبة وولاء.. «إسراء».. المليئة بالآمال والطموح.. المتأملة في صمت لا يشبه بنات جيلها.. وكأنها تتبع الأفق البعيد الذي كان يلوح بالرحيل.. المبكر المضجع.. آه من سطوة الموت.. ودقة تنشينه وإصابته للأهداف بدقة.. واختياره للجياد على حين غرة.. يدخل من الباب بلا ضجيج.. دون أن ننتظره أو نتوقعه.. يتسلل بهدوء.. لا يترك أثراً «سوى الصدمة والفجيعة مع أنه زائر دائم».. انتهى زخم الدنيا.. يا أيها الإنسان.. أنت الآن في مرحلة التجرد والحياد.. وقول الحقيقة بالجوارح بلا رتوش.. الموت وحده يا سادة هو القادر على اسدال الستار على كل التفاصيل..رحلت الزهرة الندية «إسراء» قبل أيام ذات نهار.. فتوشحت شمسه القائظة برماد الحزن.. فلاحت في الآفاق ألوان الحريق.. يا لتلك القبور الصامتة التي تدفن في جوفها الأحلام بالمشيئة الإلهية التي لا نملك سوى الرضوخ لحكمها..ولأهل «إسراء» عندي مودة.. صلة قربى في الله.. وإخوة في الاسلام.. عمها «محمد سنوسي» جمعنا معه العمل سنين طويلة- وكمال أبوها- قضى لنا حاجات لا تحصى.. و«أمها» تلك المرأة الجميلة الشامخة في حزنها الراسخة في إيمانها.. يمثلون أفضل الناس الذين عرفناهم.. خلقاً وديناً وضميراً وأصالة..فكيف بالله يكون الأبناء.. الفقيدة «إسراء» كبيرة المنزل.. وصاحبة الكلمة والدلال على أبيها.. بأدبها الجم وأخلاقها الرفيعة.. بصمتها وابتسامتها الجميلة التي تزين صورها التي تملأ كل الحوائط التي تبكي رحيلها المر المفجع..أمراض غريبة «غير مفهومة» والتهابات لا يعرف لها سبب تصيب الجهاز التنفسي.. لا تجدي معه كل العلاجات.. وما أن يحدث التحسن حتى يكون «صحوة الموت» التي يعقبها الصمت المطبق والدموع التي لا تجف.. عزيزتي الصامدة «زهرة» إن بيت الحمد الذي وعد الله أن يبنيه في الجنة لمن يصبر على فقد ولده.. أرى حوائطه الذهبية والفضية تتلألأ من صبرك.. ينتظرك جزاء رضاك بقضاء الله وقدره.. أخي «كمال» كفكف دمعك الثر.. واحتسب ف«إسراء» في مقعد صدق عند مليك مقتدر.. ü زاوية أخيرة الموت يجري خلفي.. وأنا يا موت أجري.. أي معنى للمسافات ما بين ميلادي وقبري؟!!